Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 70-70)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أي : أن يوسف عليه السلام قد قام بصرف المَيْرة لهم ، كما سبق أن وعدهم ، وكما سبق أن جَهَّزهم في المرَّة السابقة وأراد أن يُبقِي أخاه معه في مصر ولكن كيف يأخذه من إخوته لِيُبقِيه معه وقد أخذ أبوهم ميثاقاً عليهم ألاَّ يضيعوه ، وألا يُفرِّطوا فيه ، كما فعلوا مع أخيه من قبل ؟ إذن : لا بُدَّ من حيلة يستطيع بها أن يستبقي بها أخاه معه ، وقد جَنَّد الله له فيها إخوته الذين كانوا يُعَادونه ، وكانوا يحقدون عليه وعلى أخيه . وجاءت هنا حكاية صُوَاع الملك ، التي يشرب فيها الملك ، وتُستخدم كمكيال ، وجعلها في رَحْل أخيه . وكلمة " السقاية " تُطلق إطلاقات متعددة من مادة " سقى " أي : " السين " و " القاف " و " الياء " ، فتُطلق على إسقاء الناس والحجيج الماء . والقرآن الكريم يقول : { أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ ٱلْحَاجِّ وَعِمَارَةَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ … } [ التوبة : 19 ] . فكأن معنى السقاية أيضاً هو المكان الذي يُوضَع فيه الماء ليشرب منه الناس . أو : تُطلق " السقاية " على الآلة التي يُخرج بها الماء للشاربين . وهنا تُطلق كلمة " السقاية " على الإناء الذي كان يشرب به الملك ، ويُستخدم كمكيال ، وهذا دليلٌ على نَفَاسة المَكِيل . وتُطلق أيضاً كلمة " صواع " على مثل هذه الأداة التي يُشرب منها ، أو يُرفع بها الماء من المكان إلى فَمِ الشارب وأيضاً يُكَال بها ومفردها " صاع " . ويقول الحق سبحانه هنا عن حيلة يوسف لاستبقاء أخيه معه : { جَعَلَ ٱلسِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ … } [ يوسف : 70 ] . أي : أمر بعضاً من أعوانه أن يَضَعوا " السقاية " في رَحْل أخيه ، و " الرَّحْل " : هو ما يوضع على البعير ، وفيه متاع المسافر كله . وبعد أن ركب إخوة يوسف جِمالهم استعداداً للعودة إلى الشام وقعت المفاجأة لهم والتي يقول عنها الحق سبحانه : { ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا ٱلْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ } [ يوسف : 70 ] . أي : يا أصحاب تلك العير أنتم سارقون . والسرقة فعل قبيح حينما يترتَّبُ عليها جزاء يُوقَّع على السارق ، والمسروق هو شيء ثمين . وفيما يبدو أن هذه الحيلة تمَّتْ بموافقة من " بنيامين " ليمكث مع أخيه يوسف حتى يحضر أبواه إلى مصر . ولسائل أن يقول : وكيف رَضِى بنيامين بذلك ، وهو أمر يُزِيد من حُزْن يعقوب ؟ وكيف يتهم يوسف إخوته بسرقة لم يرتكبوها ؟ أقول : انظروا إلى دِقَّة القرآن ، ولنُحْسِنَ الفهم عنه لنرى أن حزن يعقوب على فَقْد يوسف قد غلبه فلَن يُؤثِّر فيه كثيراً فَقْد بنيامين . ودليل ذلك أن يعقوب عليه السلام حين عاد أبناؤه وأخبروه بحكاية السرقة واستبقاء بنيامين في مصر قال : { يَٰأَسَفَىٰ عَلَى يُوسُفَ … } [ يوسف : 84 ] . ولم يذكر يعقوب بنيامين . وأما عن اتهامهم بالسرقة فالآية هنا لا تُحدِّد ماذا سرقوا بالضبط ، وهم في نظر يوسف قد سَرَقوه من أبيه ، وألقوْه في الجُبِّ . وهنا يأتي الحق سبحانه بموقف إخوة يوسف عليه السلام : { قَالُواْ وَأَقْبَلُواْ عَلَيْهِمْ مَّاذَا تَفْقِدُونَ … } .