Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 84-84)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وأعرض يعقوب عليه السلام عنهم فما جاءوا به هو خبر أحزنه ، وخَلاَ بنفسه لأنه ببشريته تحسَّر على يوسف ، فقد كانت قاعدة المصائب هي افتقاده يوسفَ . وساعةَ تسمع نداءً لشيء محزن ، مثل : " وا حُزْناه " أو " وا أسفاه " أو " وا مُصيبتاه " فهذا يعني أن النفس تضيق بالأحداث وتقول " يا همّ ، هذا أوانك ، فاحضر " . أو أنه قال : { يَٰأَسَفَىٰ عَلَى يُوسُفَ … } [ يوسف : 84 ] . لأن أخاه بنيامين كان أشبهَ الناس به فكان حُزْنه على يوسف طاقة من الهَمِّ نزلتْ به ، وتبعتها طاقة هَمٍّ أخرى ، هي افتقاد بنيامين . وقول الحق سبحانه : { وَٱبْيَضَّتْ عَيْنَاهُ … } [ يوسف : 84 ] . أي : أن دموع يعقوب كثُرتْ حتى بَدا الجزء الأسود في العين وكأنه أبيض . أو : ابيضتْ عيناه من فَرْط حُزنه ، الذي لا يبثُّه لأحد ويكظمه . وهو قد يكظم غيظه من كل ما حدث ، أما الانفعالات فلا أحد بقادر على أن يتحكم فيها . " ونجد رسولنا صلى الله عليه وسلم يبكي وتذرف عيناه حُزْناً على موت ابنه إبراهيم ، فقال له عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - : أتبكي ؟ أو لم تكن نهيْتَ عن البكاء ؟ قال : " لا ، ولكن نهيتُ عن صوتين أحْمقيْنِ فاجرين : صوت عند مصيبة ، خمش وجوه ، وشق جيوب ، ورنة شيطان " . وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن العين تدمع ، والقلب يحزن ، ولا نقول إلا ما يُرضي ربنا ، وإنَّا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون " . وهكذا نعلم أن الحق سبحانه لا يريد من الإنسان أن يكون جلموداً أو يكون صخراً لا ينفعل للأحداث ، بل يريده مُنفعلاً للأحداث لأن هذا لَوْنٌ يجب أن يكون في إنسانيته ، وهذه عاطفة يريد الله أن يُبقيها ، وعلى المؤمن أن يُعلِيها . فسبحانه هو الذي خلق العاطفة ، والغريزة في الإنسان ، ولو أراد الله الإنسانَ بلا عاطفة أو غريزة لَفعلَ ما شاء ، لكنه أراد العاطفة والغريزة في الإنسان لمهمة . ولحظة أن تخرج العاطفة أو الغريزة عن مُهمتها ، يقول لك المنهج : لا . لأن مهمة المنهج أن يُهذِّب لك الانفعال . والمثل الذي أضربه هنا هو حُبُّ الإنسان للاستمتاع بالطعام ، يقول له المنهج : كُلْ ما يفيدك ولا تَكُنْ شَرِهاً . والمثل الآخر : غريزة حب الاستطلاع ، يقول لك المنهج : اعرف ما يفيدك ولا تستخدم هذه الغريزة في التجسُّس على الناس . وغريزة الجنس أرادها الله لإبقاء النوع ، ولتأتي بالأولاد والذرية ، لكن لا تستعملها كانطلاقات وحشية . وهكذا يحرس المنهجُ الغرائزَ والعواطفَ لتبقى في إطار مهمتها . والعاطفة - على سبيل المثال - هي التي تجعل الأب يَحنُو على ابنه الصغير ويرعاه ، وعلى ذلك فالمؤمن عليه أن يُعْلِي غرائزه وعواطفه . وقول الحق سبحانه عن يعقوب : { فَهُوَ كَظِيمٌ } [ يوسف : 84 ] . أي : أنه أخذ النزوع على قَدْره . وكلمة " كظيم " مأخوذة من " كظمت القربة " أي : أحكمنا غَلْق فوهة القِرْبة ، بما يمنع تسرُّب الماء منها . ويقول الحق سبحانه من بعد ذلك : { قَالُواْ تَالله … } .