Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 13, Ayat: 15-15)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
والسجود كما نعرفه حركة من حركات الصلاة ، والصلاة هي وَقْفة العبد بين يدي ربه بعد ندائه له ، والصلاة أقوال وأفعال مُبْتدأة بالتكبير ومُخْتتمة بالسلام بفرائض وسنن ومستحبات مخصوصة . والسجود هو الحركة التي تُبرِز كاملَ الخضوع لله فالسجود وَضْع لأعلى ما في الإنسان في مُسْتوى الأدنى وهو قَدَم الإنسان ونجد العامة وهُمْ يقولون : " لا ترفع رأسك عليَّ " أي : لا تتعالى عليّ ، لأن رَفْع الرأس معناه التعالي ، وتخفيضها بالركوع أو السجود هو إظهارٌ للخضوع ، فإذا قال الله : { وَللَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ … } [ الرعد : 15 ] . عليك أن تفهم أن هذا ما يحدث فعلاً وإنْ لم يتسع ذِهْنك إلى فَهْم السجود كما يحدث منك فليتسع ظنُّك على أنه مُنْتهى الخضوع والذِّلة لله الآمر . وأنت تعلم أن الكون كله مُسخَّر بأمر الله ولأمر الله ، والكون خاضع له سبحانه فإن استجاب الإنسان لأمر الله بالإيمان به فهذا خير . وإنْ لم يستجب الإنسان - مثلما يفعل الكافر - فعليه سُوء عمله . ولو استقصيتَ المسألة بدقَّة الفَهْم لوجدتَ أن الكافر إنما يتمرد بإرادته المُسَيطرة على جوارحه لكن بقية أبعاضه مُسخّرة وكلها تؤدي عملها بتسخير الله لها ، وكلها تُنفِّذ الأوامر الصادرة من الله لها وهكذا يكون الكافر مُتمرداً ببعضه ومُسخَّراً ببعضه الآخر ، فحين يُمرِضه الله أيستطيع أنْ يعصي ؟ طبعاً لا . وحين يشاء الله أن يُوقِف قلبه أيقدر أن يجعل قلبه يخالف مشيئة الله ؟ طبعاً لا . إذن : فالذي يتعوّد على التمرد على الله في العبادة وله دُرْبة على هذا التمرد عليه أن يُجرِّب التمرد على مرادات الله فيما لا اختيار له فيه وسيقابل العجز عن ذلك . وعليه أنْ يعرف أنه لم يتمرد بالكفر إلا بما أوسع الله له من اختيار بدليل أن تسعة وتسعين بالمائة من قُدراته محكوم بالقهر وواحد بالمائة من قدراته متروك للاختيار ، وهكذا يتأكد التسخير . وخضوع الكافر في أغلب الأحيان وتمرّده في البعض الآخر هو مُنْتهى العظمة لله فهو لا يجرؤ على التمرد بما أراده الله مُسخَّراً منه . ولقائل أن يقول : ولماذا قال الله هنا : { وَللَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ … } [ الرعد : 15 ] . ولم يقُلْ : " ما في السماوات وما في الأرض " ؟ وأقول : ما دام في الأمر هنا سجود فهو دليل على قِمّة العقل وسبحانه قد جعل السجود هنا دليلاً على أنّ كافة الكائنات تعقل حقيقة الألوهية وتعبد الحق سبحانه . وهو هنا يقول : { وَللَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً … } [ الرعد : 15 ] . وهنا يُعلمنا الحق سبحانه أن كل الكائنات ترضخ لله سجوداً سواء المُسَخَّر أو حتى أبعاض الكافر التي يستخدمها بإرادته في الكفر بالله هذه الأبعاض تسجد لله . ويتابع الحق سبحانه : { وَظِلالُهُم بِٱلْغُدُوِّ وَٱلآصَالِ } [ الرعد : 15 ] . ونحن في حياتنا اليومية نسمع مَنْ يقول : " فلان يَتْبع فلاناً كَظِله " أي : لا يتأبّى عليه أبداً مطلقاً ، ويلازمه كأنه الظل ونعلم أن ظِلَّ الإنسان تابعٌ لحركته . وهكذا نعلم أن الظِّلال نفسها خاضعة لله لأن أصحابها خاضعون لله فالظل يتبع حركتك وإياك أنْ تظنَّ أنه خاضع لك بل هو خاضع لله سبحانه . وسبحانه هنا يُحدِّد تلك المسألة بالغُدوِّ والآصال و " الغدو " جمع " غداة " وهو أول النهار ، والآصال هو المسافة الزمنية بين العصر والمغرب . وأنت حين تقيس ظِلَّك في الصباح ستجد الظِّل طويلاً ، وكلما اقتربت من الشمس طال الظل ، وكلما اقترب الزوال يقصرُ الظلُّ إلى أنْ يتلاشى وأبزر ما يتمايل الظل بتمايل صاحبه هو في الصبح وبعد العصر . ويقول الحق سبحانه بعد ذلك : { قُلْ مَن رَّبُّ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ … } .