Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 13, Ayat: 21-21)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وأوَّل ما أمر به الله أَنْ يُوصَل هو صِلَة الرَّحِم أي : أن تَصل ما يربطك بهم نَسَبٌ . والمؤمن الحقٌّ إذا سَلْسَل الأنساب فسيدخل كُلُّ المؤمنين في صِلَة الرَّحم لأن كل المؤمنين رَحِم مُتداخِل فإذا كان لك عَشْرة من المؤمنين تَصِلهم بحكم الرَّحِم وكل مؤمن يَصل عشرة مثلك ، انظر إلى تداخل الدوائر وانتظامها ستجد أن كل المؤمنين يدخلون فيها . ولذلك نجد الحق سبحانه يقول في الحديث القدسي : " أنا الرحمن خلقت الرَّحم ، واشتققتُ لها اسماً من اسمي فمن وصلها وَصَلْته ومن قطعها قطعتُه " . وقد رَويْتُ من قَبْل قصةً عن معاوية رضي الله عنه فقد جاء حاجبه ليعلن له أن رجلاً بالباب يقول : إنه أخوك يا أمير المؤمنين . ولا بد أن حاجبَ معاوية كان يعلم أن معاوية بن أبي سفيان لا إخوةَ له ، لكنه لم يَشَأْ أنْ يتدخَّل فيما يقوله الرجل وقال معاوية لحاجبه : ألاَ تعرف إخوتي ؟ فقال الحاجب : هكذا يقول الرجل . فأذِنَ معاويةُ للرجل بالدخول وسأله : أي إخوتي أنت ؟ أجاب الرجل : أخوك من آدم . قال معاوية : رَحِم مقطوعة والله لأكون أوَّلَ من يَصلها . والتقى الفضيل بن عياض بجماعة لهم عنده حاجة وقال لهم : من أين أنتم ؟ قالوا : من خُراسان . قال : اتقوا الله ، وكونوا من حيث شِئْتم . وقد أمرنا سبحانه أن نَصِلَ الأهل أولاً ثم الأقارب ثم الدوائر الأبعد فالأبعد ثم الجار ، وكُلُّ ذلك لأنه سبحانه يريد الالتحام بين الخلق ليستطرق النافع لغير النافع ، والقادر لغير القادر ، فهناك جارك وقريبك الفقير إنْ وصلْتَه وصلَك الله . ولذلك يأمر الحق سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم ومِنْ خلاله يأمر كل مؤمن برسالته : { قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ ٱلْمَوَدَّةَ فِي ٱلْقُرْبَىٰ … } [ الشورى : 23 ] . وقال بعض مَنْ سمعوا هذه الآية : قُرْباك أنت في قُرْباك . وقال البعض الآخر : لا ، القربى تكون في الرسول صلى الله عليه وسلم لأن القرآن قال في محمد صلى الله عليه وسلم : { ٱلنَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ } [ الأحزاب : 6 ] . وهكذا تكون قرابة الرسول أَوْلَى لكل مؤمن من قرابته الخاصة . يستمر قول الحق سبحانه في وصف أُولِي الألباب : { وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ } [ الرعد : 21 ] . والخشية تكون من الذي يمكن أن يُصيبَ بمكروه ولذلك جعل الحق هنا الخشية منه سبحانه أي : أنهم يخافون الله مالكهم وخالقهم ومُربِّيهم خوف إجلال وتعظيم . وجعل سبحانه المخاف من سوء العذاب وأنت تقول : خِفْتُ زيداً ، وتقول : خِفْتُ المرض ، ففيه شيء تخافه وشيء يُوَقِع عليك ما تخافه . وأولو الألباب يخافون سُوء حساب الحق سبحانه لهم فيدفعهم هذا الخوف على أَنْ يَصِلوا ما أمر به سبحانه أنْ يُوصَل ، وأنْ يبتعدوا عن أي شيء يغضبه . ونحن نعلم أن سوء الحساب يكون بالمناقشة واستيفاء العبد لكل حقوقه فسبحانه مُنزَّه عن ظلم أحد ، ولكن مَنْ يُناقش الحسابَ فهو مَنْ يَلْقى العذاب ونعوذ بالله من ذلك ، فلا أحد بقادر على أن يتحمل عذابَ الحق له . ويواصل الحق سبحانه وَصْف أُولي الألباب فيقول : { وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ٱبْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ … } .