Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 14, Ayat: 39-39)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
والوَهْب هو عطاء من مُعْطٍ بلا مقابل منك . وكل الذرية هِبَة ، لو لم تكُنْ هبة لكانت رتيبة بين الزوجين وأينما يوجد زوجان توجد . ولذلك قال الله : { يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ ٱلذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ } [ الشورى : 49 - 50 ] . والدليل على أن الذرية هِبَة هو ما شاءه سبحانه مع زكريا عليه السلام وقد طلب من الله سبحانه أن يرزقه بغلام يرثه ، على الرغم من أنه قد بلغَ من الكِبَر عِتياً وزوجه عاقر وقد تعجَّب زكريا من ذلك لأنه أنجب بقوة ، وفي هذا المعنى يقول الحق سبحانه : { كَذٰلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً } [ مريم : 9 ] . وهذا يعني ألاَّ يدخل زكريا في الأسباب والمُسبِّبات والقوانين . وقد سمَّى الحق سبحانه الذرية هِبةً لذلك يجب أن نشكرَ الله على هِبَته فلا تُرد هِبَته ، إنْ وهبَ لك إناثاً فعلى العين والرأس لأن الذي يقبل هبة الله في إنجاب الإناث برضاً يرزقه الله بشباب يتزوجون البنات ويصبحون أطوعَ له من أبنائه ، رغم أنه لم يَشْقَ في تربيتهم . وكل منّا يرى ذلك في مُحِِيطه ، فمَنْ أنجب الأولاد الذكور يظل يرقب : هل يتزوج ابنه بمَنْ تخطفه وتجعله أطوعَ لغيره منه . وإنْ وهب لك الذكور فعلى العين والرأس أيضاً ، وعليك أنْ تطلبَ من الله أن يكون ابنك من الذرية الصالحة ، وإنْ وهبكَ ذُكْرانا وإناثاً فلكَ أن تشكره ، وتطلب من الله أن يُعينك على تربيتهم . وعلى مَنْ جعله الحق سبحانه عقيماً أن يشكرَ ربه لأن العُقْم أيضاً هبةٌ منه سبحانه فقد رأينا الابن الذي يقتل أباه وأمه ، ورأينا البنت التي تجحد أباها وأمها . وإنْ قَبِل العاقر هبةَ الله في ذلك وأعلن لنفسه ولمَنْ حوله هذا القبول فالحق سبحانه وتعالى يجعل نظرة الناس كلهم له نظرة أبناء لأب ، ويجعل كل مَنْ يراه من شباب يقول له : " أتريد شيئاً يا عم فلان ؟ " ويخدمه الجميع بمحبة صافية . وإبراهيم - عليه السلام - قد قال للحق سبحانه : { ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى ٱلْكِبَرِ … } [ إبراهيم : 39 ] . والشكر على الهبة - كما عرفنا - يُشكِّل عطاءَ الذرية في الشباب ، أو في الشيخوخة . وأهل التفسير يقولون في : { عَلَى ٱلْكِبَرِ … } [ إبراهيم : 39 ] . أنه يشكر الحق سبحانه على وَهْبه إسماعيل وإسحاق مع أنه كبير . ولماذا يستعمل الحق سبحانه على وهي من ثلاثة حروف بدلاً من " مع " ولم يَقُل " الحمد لله الذي وهب لي مع الكِبَر إسماعيل وإسحاق " . وأقول : إن على تفيد الاستعلاء ، فالكِبَر ضَعْف ، ولكن إرادة الله أقوى من الضعف ولو قال " مع الكبر " فالمعيّة هنا لا تقتضي قوة ، أما قوله : { وَهَبَ لِي عَلَى ٱلْكِبَرِ … } [ إبراهيم : 39 ] . فيجعل قدرة الله في العطاء فوق الشيخوخة . وحين يقول إبراهيم عليه السلام ذلك فهو يشكر الله على استجابته لما قاله من قبل : { إِنَّيۤ أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ … } [ إبراهيم : 37 ] . أي : أنه دعا أن تكونَ له ذرية . ويُذيِّل الحق سبحانه الآية بقول إبراهيم : { إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ ٱلدُّعَآءِ } [ إبراهيم : 39 ] . ويقول سبحانه من بعد ذلك : { رَبِّ ٱجْعَلْنِي … } .