Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 14, Ayat: 46-46)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
والمكْر - كما نعلم - هو تبييت الكَيْد في خفاء مستورٍ ، ومأخوذ من الشجرة المكمورة أي : الشجرة التي تُدارِي نفسها . ونحن نرى في البساتين الكبيرة شجرةً في حجم الإصْبع وهي مجدولةٌ على شجرة أخرى كبيرة . ولا تستطيع أن تتعرف على ورقة منها ، أو أن تنسب تلك الورقة إلى مكان خروجها ، ومن أيّ فرع في الشجرة المُلتْفة إلا إذا نزعتها من حول الشجرة التي تلتفّ من حولها . ومَنْ يُبيِّت إنما يشهد على نفسه بالجُبْن والضعف وعدم القدرة على المواجهة ، قد يصلح أن تُبيِّت مُسَاوٍ لك أما أنْ تُبّيت على الحي القيوم الذي لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء فتلك هي الخيبة بعينها . ولذلك يقول الحق سبحانه في مواجهة ذلك : { وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلْمَاكِرِينَ } [ آل عمران : 54 ] . وقال عن مَكْر هؤلاء : { وَلاَ يَحِيقُ ٱلْمَكْرُ ٱلسَّيِّىءُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ } [ فاطر : 43 ] . ونعلم أننا حين ننسب صِفةً لله فنحن نأخذها في إطار : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ … } [ الشورى : 11 ] . وعادة ما ننسب كل فعل من الله للخير ، كقوله سبحانه : { وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْوَارِثِينَ } [ الأنبياء : 89 ] . { وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلْمَاكِرِينَ } [ آل عمران : 54 ] . وقوله هنا : { وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ … } [ إبراهيم : 46 ] . أي : قاموا بالتبييت المناسب لحيلتهم ولتفكيرهم ولقوتهم فإذا ما قابل الحق سبحانه ذلك فلسوف يقابله بما يناسب قوته وقدرته المطلقة ، وهو سبحانه قد علم أزلاً بما سوف يمكرونه ، وتركهم في مَكْرهم . فانتصارات الرسالات مرهونٌ بقوة المُرْسَل وأتباعه ، وهم يقابلون خصوماً هُم حيثية وجود الرسالة ذلك أنهم قد ملأوا الأرض بالفساد ، ويريدون الحفاظ على الفساد الذي يحفظ لهم السلطة والدين الجديد سيدُكُّ سيادتهم ويُزلزلها لذلك لا بُدَّ ألاّ يدخروا وُسْعاً في محاولة الكَيْد والإيقاع بالرسول للقضاء على الرسالة . وقد حاولوا ذلك بالمواجهة وقت أنْ كان الإسلام في بدايته فأخذوا الضعاف الذين أسلموا ، وبدءوا في تعذيبهم ولم يرجع واحد من هؤلاء عن الدين . وحاولوا بالحرب فنصر الله الذين آمنوا ، ولم يَبْق لهم إلا المَكْر ، وسبحانه القائل : { وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ ٱللَّهُ وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلْمَاكِرِينَ } [ الأنفال : 30 ] . وحاولوا أن يفسدوا خليّة الإيمان الأولى ، وهي محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ، وظنُّوا أنهم إنْ نجحوا في ذلك فسوف تنفضُّ الرسالة . فحاولوا أن يشتروه بالمال فلم يُفلحوا . وحاولوا أن يشتروه بالسيادة والمُلْك فلم ينجحوا ، وقال قولته المشهورة : " والله لو وضعوا الشمس في يميني ، والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يُظهره الله ، أو أهلك فيه ، ما تركته " . ثم قرروا أن يقتلوه وأن يُوزِّعوا دمه بين القبائل ، وأخذوا من كل قبيلة شاباً ليضربوا محمداً صلى الله عليه وسلم بالسيوف ضَرْبة رجلٍ واحد ولكنه صلى الله عليه وسلم يهاجر في تلك الليلة ، وهكذا لم ينجح تبييتهم : { وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ ٱللَّهِ مَكْرُهُمْ . . } [ إبراهيم : 46 ] . أي : أنه سبحانه يعلم مكرهم . ويتابع سبحانه قائلاً : { وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ ٱلْجِبَالُ } [ إبراهيم : 46 ] . أي : اطمئن يا محمد ، فلو كان مكرهم يُزيل الجبال فلنْ ينالوك ، والجبال كانت أشد الكائنات بالنسبة للعرب ، فلو كان مكرهم شديداً تزول به الجبال ، فلن يُفلِحوا معك يا رسول الله ، ولن يُزَحزِحوك عن هدفك ومهمتك . والحق سبحانه يقول : { لَوْ أَنزَلْنَا هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ وَتِلْكَ ٱلأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } [ الحشر : 21 ] . وإذا كان مكرهم يبلغ من الشدة ما تزول به الجبال فاعلم أن الله أشدُّ بَأْساً . ويُقدِّم سبحانه من بعد ذلك حيَثْية عدم فاعلية مَكْرهم ، فيقول : { فَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱللَّهَ مُخْلِفَ … } .