Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 14, Ayat: 48-48)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ويُخوّفهم الحق سبحانه هنا من يوم القيامة بعد أن صَوّر لهم ما سوف يدّعونه ، بأن يُؤخّر الحق حسابهم ، وأنْ يُعيدهم إلى الدنيا لعلّهم يعملون عملاً صالحاً ، ويجيبوا دعوة الرسل . ويوضح سبحانه هنا أن الكون الذي خلقه الله سبحانه ، وطرأ عليه آدم وخلفتْه من بعده ذريته قد أعدّه سبحانه وسخَّره في خدمة آدم وذريته من بعده وهم يعيشون في الكون بأسباب الله المَمْدودة في أنفسهم ، والمنثورة في هذا الكون لكل مخلوق لله ، مؤمنهم وكافرهم فمَنْ يأخذ بتلك الأسباب هو مَنْ يغلب . وسبحانه القائل : { مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ } [ الشورى : 20 ] . وهكذا شاء الله أنْ يهبَ عباده الارتقاء في الدنيا بالأسباب أما حياة الآخرة فنحن نحياها بالمُسبِّب وبمجرد أنْ تخطرَ على بال المؤمن رغبةٌ في شيء يجده قد تحقق . وهذا أمر لا يحتاج إلى أرض قَدَّر فيها الحق أقواتها ، وجعل فيها رواسي وأنزل عليها من السماء ماء ، إذن : فهي أرض غير الأرض وسماء غير السماء لأن الأرض التي نعرفها هي أرض أسباب والسماء التي نعرفها هي سماء أسباب . وفي جنة الآخرة لا أسبابَ هناك لذلك لا بُدّ أن تتبدَّل الأرض ، وكذلك السماء . وقوله الحق : { وَبَرَزُواْ للَّهِ ٱلْوَاحِدِ الْقَهَّارِ } [ إبراهيم : 48 ] . فهو يعني ألا يكون هناك أحد معهم سِوى ربهم لأن البروز هو الخروج والمواجهة . والمؤمن وجد ربه إيماناً بالغيب في دُنْياه وهو مؤمن به وبكل ما جاء عنه كقيام الساعة ، ووجود الجنة والنار . وكلنا يذكر " حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أحد أصحابه حين سأله الرسول صلى الله عليه وسلم : كيف أصبحتَ ؟ فقال الصحابي : أصبحتُ مؤمناً بالله حقاً . فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم : لكل حق حقيقة فما حقيقة إيمانك ؟ قال الصحابي : عزفتْ نفسي عن الدنيا ، فاستوى عندي ذهبها ومدرها - أي : تساوي الذهب بالتراب - وكأني أنظر إلى أهل الجنة في الجنة يُنعَّمون ، وإلى أهل النار في النار يُعذَّبون . فقال له الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم : " عرفت فالزم " . هذا هو حال المؤمن ، أما الكافر فحاله مختلف . فهو يبرز ليجد الله الذي أنكره ، وهي مواجهة لم يَكُنْ ينتظرها ، ولذلك قال الحق سبحانه في وَصْف ذاته هنا : { ٱلْوَاحِدِ الْقَهَّارِ } [ إبراهيم : 48 ] . وليس هناك إله آخر سيقول له " اتركهم من أجل خاطري " . وفي آية أخرى يقول عن هؤلاء : { وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ ٱلظَّمْآنُ مَآءً حَتَّىٰ إِذَا جَآءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ ٱللَّهَ عِندَهُ … } [ النور : 39 ] . أي : أنه يُفَاجأ بمثل هذا الموقف الذي لم يستعِد له . وقوله : { ٱلْوَاحِدِ الْقَهَّارِ } [ إبراهيم : 48 ] . أي : القادر على قَهْر المخلوق على غير مُرَاده . ويقول سبحانه من بعد ذلك : { وَتَرَى ٱلْمُجْرِمِينَ … } .