Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 15, Ayat: 75-75)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وهكذا كان العذاب الذي أنزله الحق سبحانه بقوم لوط آية واضحة للمُتوسِّمين . والمُتوسّم هو الذي يُدرك حقائق المَسْتور بمكْشُوف المظهور . ويُقال " توسَّمْتُ في فلان كذا " أي : أخذ من الظاهر حقيقة الباطن . ولذلك يقول الحق سبحانه : { سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِّنْ أَثَرِ ٱلسُّجُودِ … } [ الفتح : 29 ] . أي : ساعةَ تراهم ترى أن الملامح تُوَضِّح ما في الأعماق من إيمان . ويقول سبحانه أيضاً : { تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ ٱلنَّاسَ إِلْحَافاً … } [ البقرة : 273 ] . وهكذا نعرف أن المُتوسِّم هو صاحب الفَراسة التي تكشف مكنون الأعماق . وها هو صلى الله عليه وسلم يقول : " اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله " . وتحمل الذاكرة العربية حكاية الأعرابي الذي فقد جمله ، فذهب إلى قَيِّم الناحية - أي : عمدة المكان - وقال له : " ضاع جملي ، وأخشى أن يكون قد سرقه أحد " . وبينما هو يُحدِّث القيِّم جاء واحد ، وقال له : أجملك أعور ؟ أجاب صاحب الجمل : نعم ، وقال له : أجملك أبتَر ؟ أي : لا ذَيْل له ، أجاب صاحب الجمل : نعم . فسأل الرجل سؤالا ثالثاً : أجملك أشول ؟ أي : يعرج قليلاً عندما يسير فأجاب الرجل : نعم ، والله هو جَمَلِي . وأراد قيِّم الحي أن يعلم كيف عرف الرجل الذي حضر كل هذه العلامات التي في الجمل ، فسأله : وما أدراك بكل تلك العلامات ؟ قال الرجل : لقد رأيتُه في الطريق ، وعرفتُ أنه أعورُ ، ذلك أنه كان يأكل العُشبْ الجاف من جهة ، ولا يلتفت إلى العُشْب الأخضر في الجهة الأخرى ، ولو كان يرى بعينيه الاثنتين لرأى العُشْب الأخضر . وعرفت أنه أبتر مقطوع الذَّيْل نتيجة أن بَعْره لم يتبعثر مثل غيره من الجمال التي لها ذَيْل غير مقطوع . وعرفت أنه أشول لأن أثر ساقه اليمنى أكثر عُمْقاً في الأرض من أثر ساقه اليسرى . وهكذا شرحت الذاكرة العربية معنى كلمة " المتوسم " . ثم يُبيِّن الحق سبحانه مكان مدينة قوم لوط ، فيقول من بعد ذلك : { وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ … } .