Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 15, Ayat: 90-90)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ونعلم أنه سبحانه قد أنزل كتابه على رسوله صلى الله عليه وسلم ، واستقبله الناس استقباليْنِ : فمنهم مَنِ استمع إلى القرآن فتبصَّر قول الحق وآمن ، وفي هؤلاء قال الحق سبحانه : { وَإِذَا سَمِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَى ٱلرَّسُولِ تَرَىۤ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ ٱلْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَآ آمَنَّا فَٱكْتُبْنَا مَعَ ٱلشَّاهِدِينَ } [ المائدة : 83 ] . والصنف الآخر استمع إلى القرآن ، فكانت قلوبهم كالحجارة ، وفيهم قال الحق سبحانه : { وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّىٰ إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ قَالُواْ لِلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفاً أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَٱتَّبَعُوۤاْ أَهْوَآءَهُمْ } [ محمد : 16 ] . ذلك أن قلوبهم مُمْتلئة بالكفر وقد دخلوا ومعهم حكم مُسْبق ، فلم يقيموا ميزانَ العدل ليقيسوا به فائدة ما يسمعون . ولذلك أوضح الحق سبحانه لرسوله صلى الله عليه وسلم ألا يحزن ، فالمسألة لها سوابق مع غيرك من الرسل فقد نزل كل رسول بكتاب يحمل المنهج ، ولكن الناس استقبلوا تلك الكتب كاستقبال قومك لِمَا نزل إليك بين كافر ومؤمن ، واختلفوا في أمور الكُتب المنزَّلة إلى رسلهم . وكان انقسامهم كانقسام قومك حول الكتاب المُنزَّل إليك ، فلا تحزنْ إنِ اتهموك بأنك ساحرٌ ، أو أن ما نزل إليك كتابُ شعر ، أو أنك تمارس الكهانة أو فقدوا القدرة على الحكم عليك واتهموك بالجنون . وهكذا قَسَّموا القرآن المُنزَّل من الله سبحانه إلى أقسام هي : السِّحْر ، والكهانة ، والشعر ، والجنون ، كما فعل من قبلهم أقوام أخرى : فمنهم مَنْ قال ، وأثبته القرآن عليهم : { إِنَّ رَسُولَكُمُ ٱلَّذِيۤ أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ } [ الشعراء : 27 ] . وهكذا تعلم يا رسول الله أنك لست بِدْعاً من الرسل ، ذلك أن الرسل لا يأتون أقوامهم إلا وقد طَمَّ الفساد والبلاء ، ولا يوجد فساد إلا بانتفاع واحد بالفساد بينما يضرُّ بالآخرين . وإذا ما جاء رسول ليصلح هذا الفساد يهُبُّ أهل الاستفادة من الفساد ليقاوموه ويضعوا أمامه العراقيل مثلما حدث معك يا رسول الله حين قال بعضهم : { لاَ تَسْمَعُواْ لِهَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ وَٱلْغَوْاْ فِيهِ … } [ فصلت : 26 ] . ومثل هذا القول إنما يدلُّ على أنهم لو صَفُّوا نفوسهم ، واستمعوا للقرآن لاهتدوا لذلك يقول لهم سادتهم : { وَٱلْغَوْاْ فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ } [ فصلت : 26 ] . أي : شَوِّشوا عليه . وهكذا فالاقتسام الذي استقبل به الكفار القرآن سبق وأنْ حدث مع الرسل الذين سبقوك . ويقول الحق سبحانه من بعد ذلك : { ٱلَّذِينَ جَعَلُواْ … } .