Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 118-118)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

بعد أن تكلمت الآيات فيما أحلَّ الله وفيما حرَّم ، وبيَّنتْ أن التحليل أو التحريم لله تعالى ، جاءت لنا بصورة من التحريم ، لا لأن الشيء ذاته مُحرَّم ، بل هو مُحرَّم تحريم عقوبة ، كالذي مثَّلْنَا له سابقاً بحرمان الطفل من الحلوى عقاباً له على سُوء فِعْله . والذين هادوا هم : اليهود عاقبهم الله بتحريم هذه الأشياء ، مع أنها حلال في ذاتها ، وهذا تحريم خاصٌّ بهم كعقوبة لهم . وقوله تعالى : { مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِن قَبْلُ … } [ النحل : 118 ] . المراد ما ذُكِر في سورة الأنعام من قوله تعالى : { وَعَلَى ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ ٱلْبَقَرِ وَٱلْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَآ إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ ٱلْحَوَايَآ أَوْ مَا ٱخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذٰلِكَ جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ وِإِنَّا لَصَادِقُونَ } [ الأنعام : 146 ] . كل ذي ظفر : الحيوان ليس منفرجَ الأصابع ، والحوايا : هي المصارين والأمعاء ، ونرى أن كل هذه الأشياء المذكورة في الآية حلال في ذاتها ، ومُحلَّلة لغير اليهود ، ولكن الله حرَّمها عليهم عقوبةً لهم على ظلمهم وبغيهم ، كما قال تعالى : { فَبِظُلْمٍ مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ كَثِيراً * وَأَخْذِهِمُ ٱلرِّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ ٱلنَّاسِ بِٱلْبَاطِلِ … } [ النساء : 160 - 161 ] . أي : بسبب ظلمهم حَرَّمنا عليهم هذه الطيبات . ذلك لأن مَنْ أخذ حكماً افتراءً على الله فحرَّم ما أحلَّ الله . أو حلَّل ما حرَّم الله لا بُدَّ أنْ يُعاقبَ بمثله فيُحرِّم عليه ما أحِلّ لغيره ، وقد وقع الظلم من اليهود لأنهم اجترأوا على حدود الله وتعاليمه ، وأول الظلم وقمته الشرك بالله تعالى : { إِنَّ ٱلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } [ لقمان : 13 ] . والظلم نَقْل الحق من صاحبه إلى غيره . ومن ظلمهم : ما قالوه لموسى - عليه السلام - بعد أن عبر بهم البحر ، ومرُّوا على قوم يعكفون على أصنام لهم ، فقالوا : يا موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة . قال تعالى : { وَجَاوَزْنَا بِبَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ ٱلْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَىٰ قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَىٰ أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يٰمُوسَىٰ ٱجْعَلْ لَّنَآ إِلَـٰهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ … } [ الأعراف : 138 ] . ومن ظلمهم : أنهم عبدوا العجل من دون الله . ومن ظلمهم لموسى - عليه السلام - : أنهم لم يؤمنوا به . كما قال تعالى : { فَمَآ آمَنَ لِمُوسَىٰ إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَىٰ خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ } [ يونس : 83 ] . ومن ظلمهم : { وَأَخْذِهِمُ ٱلرِّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ ٱلنَّاسِ بِٱلْبَاطِلِ } [ النساء : 161 ] . إذن : بسبب ظلمهم وأخذهم غير حَقِّهم حرَّم الله عليهم أشياء كانت حلالاً لهم لذلك قال تعالى : { وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } [ النحل : 118 ] . ظلموا أنفسهم بأن أعطوا لأنفسهم متاعاً قليلاً عاجلاً ، وحرموها من المتعة الحقيقية الباقية . ثم يقول الحق سبحانه : { ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ … } .