Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 128-128)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذه قضية معيّة الله لمن اتقاه ، فمَنِ اتقى الله فهو في جواره ومعيته ، وإذا كنت في معية ربك فمَنْ يجرؤ أن يكيدك ، أو يمكرُ بك ؟ وفي رحلة الهجرة تتجلى معية الله تعالى وتتجسد لنا في الغار ، حينما أحاط به الكفار ، والصِّدِّيق يقول للرسول صلى الله عليه وسلم : لو نظر أحدهم تحت قدميه لَرَآنا ، فيجيبه الرسول صلى الله عليه وسلم وهو واثق بهذه المعية : " يا أبا بكر ، ما ظنك باثنين الله ثالثهما " . فما علاقة هذه الإجابة من رسول الله بما قال أبو بكر ؟ المعنى : ما دام أن الله ثالثهما إذن فهما في معية الله ، والله لا تدركه الأبصار ، فمَنْ كان في معيته كذلك لا تدركه الأبصار . وقوله : { ٱتَّقَواْ … } [ النحل : 128 ] . التقوى في معناها العام : طاعة الله باتباع أوامره واجتناب نواهيه ، ومن استعمالاتها نقول : اتقوا الله ، واتقوا النار ، والمتأمل يجد معناها يلتقي في نقطة واحدة . فمعنى " اتق الله " : اجعل بينك وبين عذاب الله وقاية وحاجزاً يحميك ، وذلك باتباع أمره واجتناب نهيه لأن للحق سبحانه صفات رحمة ، فهو : الرؤوف الرحيم الغفور ، وله صفات جبروت فهو : المنتقم الجبار العزيز ، فاجعل لنفسك وقاية من صفات الانتقام . ونقول : اتقوا النار ، أي : اجعلوا بينكم وبين النار وقاية ، والوقاية من النار لا تكون إلا بطاعة الله باتباع أوامره ، واجتناب نواهيه ، إذن : المعنى واحد ، ولكن جاء مرّة باللازم ، ومرَّة بلازم اللازم . وقوله : { وَّٱلَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ } [ النحل : 128 ] . المحسن : هو الذي يُلزم نفسه في عبادة الله بأكثر مما ألزمه الله ، ومن جنس ما ألزمه الله به ، فإنْ كان الشرع فرض عليك خمس صلوات في اليوم والليلة ، فالإحسان أن تزيدها ما تيسَّر لك من النوافل ، وإنْ كان الصوم شهرَ رمضان ، فالإحسان أنْ تصومَ من باقي الشهور كذا من الأيام ، وكذلك في الزكاة ، وغيرها مِمَّا فرض الله . لذلك نجد أن الإحسان أعلى مراتب الدين ، وهذا واضح في حديث جبريل حينما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإسلام والإيمان والإحسان ، فقال : " الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكُنْ تراه فإنه يراك " . والآية الكريمة تُوحِي لنا بأن الذي اتقوا لهم جزاء ومعيّة ، وأن الذين هم محسنون لهم جزاء ومعيّة ، كُلٌّ على حسب درجته لأن الحق سبحانه يعطي من صفات كماله لخَلْقه على مقدار معيتهم معه سبحانه ، فالذي اكتفى بما فرض عليه ، لا يستوي ومَنْ أحسن وزاد ، لا بُدَّ أن يكون للثاني مزيَّة وخصوصية . وفي سورة الذاريات يقول تعالى : { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَآ آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ } [ الذاريات : 15 - 16 ] . لم يقل " مؤمنين " لأن المؤمن يأتي بما فُرِض عليه فحسب ، لكن ما وجه الإحسان عندهم ؟ يقول تعالى : { كَانُواْ قَلِيلاً مِّن ٱللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِٱلأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِيۤ أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لَّلسَّآئِلِ وَٱلْمَحْرُومِ } [ الذاريات : 17 - 19 ] . وكلها أمور نافلة تزيد عما فرض الله عليهم . ويجب أن نتنبه هنا إلى أن المراد من قوله تعالى : { وَفِيۤ أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لَّلسَّآئِلِ وَٱلْمَحْرُومِ } [ الذاريات : 19 ] . ليست الزكاة ، بل هي الصدقة ، لأنه في الزكاة قال سبحانه : { حَقٌّ مَّعْلُومٌ … } [ المعارج : 24 ] .