Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 17-17)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ونعلم أن الكلام الذي يلقيه المتكلم للسامع يأخذ صوراً متعددة فمرَّة يأخذ صورة الخبر ، كأن يقول : مَنْ لا يخلق ليس كَمنْ يخلق . وهذا كلام خبريّ ، يصح أنْ تُصدِّقه ، ويصحّ ألاَّ تُصدّقه . أما إذا أراد المتكلم أن يأتي منك أنت التصديق ، ويجعلك تنطق به فهو يأتي لك بصيغة سؤال ، لا تستطيع إلا أنْ تجيبَ عليه بالتأكيد لِمَا يرغبه المتكلِّم . ونعلم أن قريشاً كانت تعبد الأصنام وجعلوها آلهة وهي لم تكلمهم ، ولم تُنزِل منهجاً ، وقالوا ما أورده الحق سبحانه على ألسنتهم : { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ … } [ الزمر : 3 ] . فلماذا إذن لا يعبدون الله مباشرة دون وساطة ؟ ولماذا لا يرفعون عن أنفسهم مشقة العبادة ، ويتجهون إلى الله مباشرة ؟ ثم لنسأل : ما هي العبادة ؟ نعلم أن العبادة تعني الطاعة في " افعل " و " لا تفعل " التي تصدر من المعبود . وبطبيعة الحال لا توجد أوامر أو تكاليف من الأصنام لِمَنْ يعبدونها ، فهي معبودات بلا منهج ، وبلا جزاء لِمَن خالف ، وبلا ثواب لِمَنْ أطاع ، وبالتالي لا تصلح تلك الأصنام للعبادة . ولنناقش المسألة من زاوية أخرى ، لقد أوضح الحق سبحانه أنه هو الذي خلق السماوات والأرض ، والليل والنهار ، والشمس والقمر ، وسخر كل الكائنات لخدمة الإنسان الذي أوكل إليه مهمة خلافته في الأرض . وكلُّ تلك الأمور لا يدعيها أحد غير الله ، بل إنك إنْ سألتَ الكفار والمشركين عمَّن خلقهم ليقولن الله . قال الحق سبحانه : { وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ … } [ الزخرف : 87 ] . ذلك أن عملية الإيجاد والخَلْق لا يجرؤ أحدٌ أنْ يدَّعيَها إنْ لم يكُنْ هو الذي أبدعها ، وحين تسألهم : مَنْ خلق السماوات والأرض لقالوا : إنه الله . وقد أبلغهم محمد صلى الله عليه وسلم أن الله هو الذي خلق السماوات والأرض ، وأن منهجه لإدارة الكون يبدأ من عبادته سبحانه . وما دام قد ادَّعى الحق سبحانه ذلك ، ولم يوجد مَنْ ينازعه فالدعوة تثبُت له إلى أنْ يوجد معارض ، ولم يوجد هذا المُعَارض أبداً . وهنا في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها لم يَقُل الحق سبحانه " أتجعلون مَنْ لا يخلق مِثْل من يخلق " . بل قال : { أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ } [ النحل : 17 ] . ووراء ذلك حكمة فهؤلاء الذين نزل إليهم الحديث تعاملوا مع الأصنام وكأنها الله وتوهَّموا أن الله مخلوق مثل تلك الأصنام ولذلك جاء القول الذي يناسب هذا التصوُّر . والحق سبحانه يريد أنْ يبطل هذا التصوُّر من الأساس فأوضح أن مَنْ تعبدونهم هم أصنام من الحجارة وهي مادة ولها صورة ، وأنتم صنعتموها على حَسْب تصوُّركم وقدراتكم . وفي هذه الحالة يكون المعبود أقلَّ درجة من العابد وأدنى منه فضلاً عن أن تلك الأصنام لا تملك لِمَنْ يعبدها ضراً ولا نفعاً . ثم : لماذا تدعون الله إنْ مسَّكُم ضُرٌّ ؟ إن الإنسان يدعو الله في موقف الضر لأنه لحظتها لا يجرؤ على خداع نفسه ، أما الآلهة التي صنعوها وعبدوها فهي لا تسمع الدعاء : { إِن تَدْعُوهُمْ لاَ يَسْمَعُواْ دُعَآءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُواْ مَا ٱسْتَجَابُواْ لَكُمْ وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِـكُمْ وَلاَ يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ } [ فاطر : 14 ] . فكيف إذن تساوون بين مَنْ لا يخلق ، ومن يخلق ؟ إن عليكم أنْ تتذكَّروا ، وأنْ تتفكَّروا ، وأن تُعْمِلوا عقولكم فيما ينفعكم . ويقول الحق سبحانه من بعد ذلك : { وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ … } .