Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 59-59)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الآيات : جمع آية ، وهي الأمر العجيب الذي يلفت النظر ويسترعى الانتباه ، وهذه الآيات إما أن تكون آيات كونية نستدل بها على قدرة المدبِّر الأعلى سبحانه مثل المذكورة في قوله تعالى : { وَمِنْ آيَاتِهِ ٱلَّيلُ وَٱلنَّهَارُ وَٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ … } [ فصلت : 37 ] . وقد تكون الآيات بمعنى المعجزة التي تثبت صِدْق الرسول في البلاغ عن ربه تعالى ، وقد تكون الآيات بمعنى آيات القرآن الكريم ، والتي يسمونها حاملة الأحكام . فالآيات إذن ثلاثة : كونية ، ومعجزات ، وآيات القرآن . فأيها المقصود في الآية : { وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بِٱلآيَاتِ … } [ الإسراء : 59 ] . الآيات الكونية وهي موجودة لا تحتاج إلى إرسال ، الآيات القرآنية وهي موجودة أيضاً ، بقي المعجزات وهي موجودة ، وقد جاءت معجزة كل نبي على حَسْب نبوغ قومه ، فجاءت معجزة موسى من نوع السحر الذي نبغ فيه بنو إسرائيل ، وكذلك جاءت معجزة عيسى مما نبغ فيه قومه من الطب . وجاءت معجزة محمد صلى الله عليه وسلم في الفصاحة والبلاغة والبيان لأن العرب لم يُظِهروا نبوغاً في غير هذا المجال ، فتحدّاهم بما يعرفونه ويُجيدونه ليكون ذلك أبلغ في الحجة عليهم . إذن : فما المقصود بالآيات التي منعها الله عنهم ؟ المقصود بها ما طلبوه من معجزات أخرى ، جاءت في قوله تعالى : { وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلأَرْضِ يَنْبُوعاً * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ ٱلأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً * أَوْ تُسْقِطَ ٱلسَّمَآءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِٱللَّهِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ قَبِيلاً * أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَىٰ فِي ٱلسَّمَآءِ وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ … } [ الإسراء : 90 - 93 ] . والمتأمل في كل هذه الاقتراحات من كفار مكة يجدها بعيدة كل البُعْد عن مجال المعجزة التي يُراد بها في المقام الأول تثبيت الرسول ، وبيان صِدْق رسالته وتبليغه عن الله ، وهذه لا تكون إلا في أمر نبغ فيه قومه ولهم به إلمام ، وهم أمة كلام وفصاحة وبلاغة ، وهل لهم إلمام بتفجير الينابيع من الأرض ؟ وهل إسقاط السماء عليهم كِسَفاً يقوم دليلاً على صدْق الرسول ؟ أم أنه الجدل العقيم والاستكبار عن قبول الحق ؟ إذن : جلس كفار مكة يقترحون الآيات ويطلبون المعجزات ، والحق سبحانه وتعالى يُنزِل من المعجزات ما يشاء ، وليس لأحد أن يقترح على الله أو يُجبره على شيء ، قال تعالى : { قُل لَّوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } [ يونس : 16 ] . فالحق تبارك وتعالى قادر أن يُنزل عليهم ما اقترحوه من الآيات ، فهو سبحانه لا يُعجِزه شيء ، ولا يتعاظمه شيء ، ولكن للبشر قبل ذلك سابقة مع المعجزات . والحق سبحانه يقول : { وَآتَيْنَا ثَمُودَ ٱلنَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا . . } [ الإسراء : 59 ] . مبصرة : أي آية بينة واضحة . لقد طلب قوم ثمود معجزة بعينها فأجابهم الله وأنزلها لهم ، فما كان منهم إلا أن استكبروا عن الإيمان ، وكفروا بالآية التي طلبوها ، بل وأكثر من ذلك ظلموا بها أي : جاروا على الناقة نفسها ، وتجرّأوا عليها فعقروها . وهذه السابقة مع ثمود هي التي منعتنا عن إجابة أهل مكة فيما اقترحوه من الآيات ، وليس عَجْزاً مِنَّا عن الإتيان بها . وقوله تعالى عن الناقة أنها آية { مُبْصِرَةً } لبيان وضوحها كما في قوله تعالى : { وَجَعَلْنَآ آيَةَ ٱلنَّهَارِ مُبْصِرَةً … } [ الإسراء : 12 ] فهل آية النهار مُبصِرة ، أم مُبْصَر فيها ؟ كانوا قديماً يعتقدون أن الإنسان يرى الشيء من شعاع ينطلق من عينة إلى الشيء المرئيّ فتحدث الرؤية ، إلى أن جاء ابن الهيثم وأثبت خطأ هذه المقولة ، وبيّن أن الإنسان يرى الشيء إذا خرج من الشيء شعاع إلى العين فتراه ، بدليل أنك ترى الشيء إذا كان في الضوء ، ولا تراه إذا كان في ظلمة ، وبهذا الفهم نستطيع القول بأن آية النهار هي المبصرة لأن أشعتها هي التي تُسبّب الإبصار . ثم يقول تعالى : { وَمَا نُرْسِلُ بِٱلآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً } [ الإسراء : 59 ] . أي : نبعث بآيات غير المعجزات لتكون تخويفاً للكفار والمعاندين ، فمثلاً الرسول صلى الله عليه وسلم اضطهده أهل مكة ودبَّروا لقتله جهاراً وعلانية ، فخيّب الله سَعْيهم ورأوا أنهم لو قتلوه لَطالبَ أهله بدمه ، فحاكوا مؤامرة أخرى للفتك به بليل ، واقترحوا أنْ يُؤْتَى من كل قبيلة بفتى جَلْدٍ ، ويضربوه ضَرْبة رجل واحد . ولكن الحق سبحانه أطلع رسوله على مكيدتهم ، ونجّاه من غدرهم ، فإذا بهم يعملون له السحر لِيُوقِعوا به ، وكان الله لهم بالمرصاد ، فأخبر رسوله بما يُدبّر له ، وهكذا لم يفلح الجهر ، ولم يفلح التبييت ، ولم يفلح السحر ، وباءت محاولاتهم كلها بالفشل ، وعلموا أنه لا سبيلَ إلى الوقوف في وجه الدعوة بحال من الأحوال ، وأن السلامة في الإيمان والسير في ركابه من أقصر الطرق . إذن : للحق سبحانه آيات أخرى تأتي لِرَدْع المكذبين عن كذبهم ، وتُخوّفهم بما حدث لسابقيهم من المُكذِّبين بالرسل ، حيث أخذهم الله أَخْذ عزيز مقتدر ، ومن آيات التخويف هذه ما جاء في قوله تعالى : { فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَّنْ أَخَذَتْهُ ٱلصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ ٱلأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } [ العنكبوت : 40 ] . فكل هذه آيات بعثها الله على أمم من المكذبين ، كُلّ بما يناسبه . ثم يقول الحق سبحانه مخاطباً رسوله صلى الله عليه وسلم : { وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِٱلنَّاسِ … } .