Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 6-6)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الخطاب في هذه الآية مُوجَّه لبني إسرائيل ، والآية تمثل نقطة تحوُّل وانقلاب للأوضاع ، فبعد أن تحدثنا عنه من غلبة المسلمين ، وأن الله سلّطهم لتأديب بني إسرائيل ، نرى هنا أن هذا الوضع لم يستمر لأن المسلمين تخلَّوْا عن منهج الله الذي ارتفعوا به ، وتَنصَّلوا من كَوْنهم عباداً لله ، فدارت عليهم الدائرة ، وتسلّط عليهم اليهود ، وتبادلوا الدور معهم لأن اليهود أفاقوا لأنفسهم بعد أن أدبهم رسول الله والمسلمون في المدينة ، فأخذوا ينظرون في حالهم وما وقعوا فيه من مخالفات . ولا بُدّ أنه قد حدث منهم شبه استقامة على منهج الله ، أو على الأقل حدث من المسلمين انصراف عن المنهج وتنكُّب للطريق المستقيم ، فانحلَّتْ الأمور الإيمانية في نفوس المسلمين ، وانقسموا دُوَلاً ، لكل منها جغرافياً ، ولكل منها نظام حاكم ينتسب إلى الإسلام ، فانحلّتْ عنهم صِفَة عباد الله . فبعد قوتهم واستقامتهم على منهج الله ، وبعد أن استحقوا أن يكونوا عباداً لله بحق تراجعت كِفتهم وتخلَّوْا عن منهج ربهم ، وتحاكموا إلى قوانين وضعية ، فسلَّط عليهم عدوهم ليؤدّبهم ، فأصبحتْ الغلبة لليهود لذلك يقول تعالى : { ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ ٱلْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ … } [ الإسراء : 6 ] . و { ثُمَّ } حرف عطف يفيد الترتيب مع التراخي ، على خلاف الفاء مثلاً التي تفيد الترتيب مع التعقيب ، ومن ذلك قوله تعالى : { ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ * ثُمَّ إِذَا شَآءَ أَنشَرَهُ } [ عبس : 21 - 22 ] . فلم يَقُل الحق سبحانه : فرددنا ، بل { ثُمَّ رَدَدْنَا } . ذلك لأن بين الكَرَّة الأولى التي كانت للمسلمين في عهد رسول الله ، وبين هذه الكَرَّة التي كانت لليهود وقتاً طويلاً . فلم يحدث بيننا وبينهم حروب لعدة قرون ، منذ عصر الرسول إلى أن حدث وَعْد بلفور ، الذي أعطى لهم الحق في قيام دولتهم في فلسطين ، وكانت الكَرَّة لهم علينا في عام 1967 ، فناسب العطف بـ " ثم " التي تفيد التراخي . والحق سبحانه يقول : { ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ ٱلْكَرَّةَ … } [ الإسراء : 6 ] . أي : جعلنا لبني إسرائيل الغَلَبَة والقوة والنصر على المسلمين وسلّطناهم عليهم لأنهم تخلوْا عن منهج ربهم ، وتنازلوا عن الشروط التي جعلتْهم عباداً لله . والكَرَّة أي : الغلبة من الكَرِّ والفَرِّ الذي يقوم به الجندي في القتال ، حيث يُقِدم مرة ، ويتراجع أخرى . وقوله تعالى : { وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً } [ الإسراء : 6 ] . وفعلاً أمدّهم الله بالمال حتى أصبحوا أصحاب رأس المال في العالم كله ، وأمدّهم بالبنين الذين يُعلِّمونهم ويُثقّفونهم على أعلى المستويات ، وفي كل المجالات . ولكن هذا كله لا يعطيهم القدرة على أن تكون لهم كَرَّة على المسلمين ، فهم في ذاتهم ضعفاء رغم ما في أيديهم من المال والبنين ، ولا بُدَّ لهم لكي تقوم لهم قائمة من مساندة أنصارهم وأتباعهم من الدول الأخرى ، وهذا واضح لا يحتاج إلى بيان منذ الخطوات الأولى لقيام دولتهم ووطنهم القومي المزعوم في فلسطين ، وهذا معنى قوله تعالى : { وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً } [ الإسراء : 6 ] . فالنفير مَنْ يستنفره الإنسان لينصره ، والمراد هنا الدول الكبرى التي ساندتْ اليهود وصادمتْ المسلمين . وما زالت الكَرَّة لهم علينا ، وسوف تظل إلى أنْ نعود كما كُنَّا ، عباداً لله مُسْتقيمين على منهجه ، مُحكِّمين لكتابه ، وهذا وَعْد سيتحقّق إنْ شاء الله ، كما ذكرتْ الآية التالية : { إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا … } .