Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 11-11)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يُقَال : ضُرِب الفسطاط على الأرض يعني الخيمة ، أي : غُطِّيتْ الأرض بها بعد أنْ كانت فضاءً ، والضرب : أن تلمس شيئاً بشيء بشدة شريطة أن يكون المضروب به أقوى من المضروب ، وإلاّ كان الضارب ضارباً لنفسه . لذلك ، فالشاعر عندما تكلم عن المعترضين على القدر قال : @ أَيا هَازِئاً مِنْ صُنُوفِ القَدَرِ بنفْسِــكَ تُعنــف لاَ بالقَـــدَر وَيَا ضَارِباً صَخْرةً بِالعَصَا ضَربْتَ العَصَا أَمْ ضرَبْتَ الحَجَر ؟ @@ فمعنى : { فَضَرَبْنَا عَلَىٰ آذَانِهِمْ … } [ الكهف : 11 ] أي : غطيناها بغطاء محكم يحجبهم عن العالم الخارجي ، والضرب على آذانهم هو الرحمة التي دعوا الله بها وطلبوها لأن الإنسان الذي يحمل الفأس مثلاً ويعمل بها إنْ تعب وأجهده العمل يقف بعض الوقت ليستريح ، فإنْ تعب من الوقوف قعد ، فإنْ تعب من القعود استلقى واضطجع ، فإنْ لم يسترح فلا يبقى إلا أن ينام ، ففي النوم تهدأ الأعصاب ، ويستريح الإنسان ، حتى مع الآلام في أعنف الأمراض إذا نام المريض لا يشعر بشيء من الألم لذلك اختار لهم ربهم هذا الوضع ليريحهم به طوال فترة مُكْثهم في الكهف . فالحق سبحانه - إذن - هو الضارب ، والمضروب هو الآذان ، والضرب على الآذان هنا للرحمة لا للعذاب لأن الله تعالى أراد لهم أقصى درجات الراحة والنوم الهادئ الذي لا يُعكّر صَفْوه شيء ، والنوم هو الراحة التامة التي تطغى على الآلام العضوية في الذات الإنسانية . وقد اختار الحق سبحانه الضرب على آذانهم لأن حاسة السمع هي أول الحواس عملاً في الإنسان ، وهي أول آلة إدراك تُؤدّي مهمتها في الطفل ، كما قال الحق سبحانه وتعالى : { وَٱللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلْسَّمْعَ وَٱلأَبْصَارَ وَٱلأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [ النحل : 78 ] . هذه الحواس هي منافذ العلم والإدراك للإنسان ، فلو وضعتَ أصبعك أمام عين الطفل المولود تراه لا يرمش لأنه لا يرى إلا بعد ثلاثة إلى عشرة أيام ، أما لو صرختَ في أُذنه فإنه ينتبه فحاسة السمع تؤدي مهمتها منذ ولادته . وكذلك فالأذن تمتاز أيضاً بأنها الإدراك الوحيد الذي لا يتعطل ولا يتوقف أثناء النوم لأن بها يتم الاستدعاء من النوم . وهؤلاء الفتية دخلوا وأَوَوْا إلى الكهف ، وهو فَجْوة في جبل في صحراء وهي عُرْضة للعواصف والرياح وأصوات الحيوانات وأشياء كثيرة يمكن أن تزعج النائم ، فلو تركهم الخالق سبحانه في نومهم هذا على طبيعتهم لأزعجتهم هذه الأصوات وأقلقتْ راحتهم لذلك عطّل حاسة السمع عندهم ، وبذلك استطاعوا أن يناموا كل هذه المدة . ثم يقول تعالى : { فِي ٱلْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً } [ الكهف : 11 ] ومعنى عدداً أي : سنين كثيرة لأن القليل لا يُعَدُّ لأنه معروف ، فإنْ ذكر العدّ فاعلم أنه للشيء الكثير ، كما تقول : فلان عنده مليون عَدّاً ونقداً . ثم يقول الحق سبحانه : { ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الحِزْبَيْنِ … } .