Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 19-19)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { بَعَثْنَاهُمْ } أي : أيقظناهم من نومهم لأن نومهم الطويل الذي استغرق ثلاثمائة سنة وتِسْعاً أشبه الموت ، فقال { بَعَثْنَاهُمْ } ، والبعْثُ هنا لقضية خاصة بهم ، وهي أنْ يسأل بعضهم بعضاً عن مُدّة لُبْثهم في الكهف ، وقد انقسموا في سؤالهم هذا إلى فريقين الفريق الأول : { قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَم لَبِثْتُمْ … } [ الكهف : 19 ] . فَردَّ الفريق الآخر بما تقتضيه طبيعة الإنسان في النوم العادي ، فقال : { قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ … } [ الكهف : 19 ] فالإنسان لا يستطيع تقدير مدّة نومه بالضبط ، لكن المعتاد في النوم أن يكون كذلك يوماً أو بعض يوم . وقد أخذ العلماء من هذا القول أنهم حين تساءلوا هذا السؤال لم يجدوا في ذواتهم شيئاً يدلُّ على مرور زمن طويل ، حيث وجدوا أنفسهم على الحال التي ناموا عليها ، فلم يتغير مثلاً حالهم من الشباب إلى الشيخوخة ، ولم يتغير شعرهم مثلاً إلى البياض لذلك قالوا : لبثنا يوماً أو بعض يوم ، ولو وجدوا أنفسهم شيباً لقدَّروا الزمن المناسب لهذا الشيْب . وهذه وقفة المشدوه حين يُسْأل عن زمن لا يدري مُدته ، إنه طويل عند الله إنما قصير عنده ، وهذا كقوله تعالى في سورة البقرة : { قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِاْئَةَ عَامٍ فَٱنْظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَٱنْظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ ءَايَةً لِلنَّاسِ … } [ البقرة : 259 ] . لقد حكم على مُدّة لُبْثه بيوم أو بعض يوم لأنه وجد نفسه على الحال التي عهدها لم يتغير منه شيء ، فكيف يتأتّى الصدق من الحق سبحانه في قوله مائة عام والصدق في قول العُزَيْر بيوم أو بعض يوم ؟ لا شكَّ أننا أمام آية من آيات الخالق سبحانه ، ومعجزة من معجزاته لا يقدر عليها إلا المالك للزمان وللمكان ، القابض للزمان ليوم أو بعض يوم ، الباسط له إلى مائة عام . لذلك أظهر الخالق سبحانه في هذه المعجزة الدليل على صدق القولين : ففي طعام العُزَير الذي ظلَّ على حاله طازجاً لم يتغير دليل على يوم أو بعض يوم ، وفي حماره الذي رآه عظاماً بالية دليل على المائة عام ، فسبحان الذي يجمع الشيء وضده في آن واحد . ثم يقول تعالى حكاية عنهم : { قَالُواْ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ … } [ الكهف : 19 ] وهو قَوْل الجماعة الذين أرادوا إنهاء الخلاف في هذه المسألة ، فقالوا لإخوانهم : دعونا من هذه القضية التي لا تفيد ، واتركوا أمرها لله تعالى . ودائماً يأمرنا الحق سبحانه بأنْ ننقلَ الجدل من شيء لا ننتهي فيه إلى شيء ، ونُحوله للأمر المثمر النافع لذلك قالوا : { فَٱبْعَثُواْ أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَـٰذِهِ إِلَىٰ ٱلْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَآ أَزْكَىٰ طَعَاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلاَ يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً } [ الكهف : 19 ] . والوَرِق يعني العملة من الفضة ، فأرادوا أنْ يرسلوا أحدهم بما معهم من النقود ليشتري لهم من المدينة طعاماً لأنهم بمجرد أن استيقظوا انتهت حالتهم الاستثنائية ، وعادوا إلى طبيعتهم لذلك طلبوا الطعام ، لكن نلحظ هنا أن الجوع لم يحملهم على طلب مطلق الطعام ، بل تراهم حريصين على تزكية طعامهم واختيار أَطيبه وأَطْهره ، وأبعده عن الحرام . وكذلك لم يَفُتْهم أنْ يكونوا على حذر من قومهم ، فَمْن سيذهب منهم إلى هذه المهمة عليه أن يدخل المدينة خِلْسة ، وأن يتلطف في الأمر حتى لا يشعر به أحد من القوم ، ذلك لأنهم استيقظوا على الحالة التي ناموا عليها ، وما زالوا على حَذَر من قومهم يظنون أنهم يتتبعونهم ويبحثون عنهم ، ويسَعَوْن للقضاء عليهم . ثم يقول الحق سبحانه : { إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُواْ عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ … } .