Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 18, Ayat: 30-30)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وهنا نلاحظ أن الحق سبحانه عطف على الإيمان العملَ الصالح لأن الإيمان هو العقيدة التي ينبع عن أصلها السلوك ، فلا جدوى من الإيمان بلا عمل بمقتضى هذا الإيمان ، وفائدة الإيمان أنْ تُوثّق الأمر أو النهي إلى الله الذي آمنتَ به لذلك جاء الجمع بين الإيمان والعمل الصالح في مواضع عدّة من كتاب الله ، منها قوله تعالى : { وَٱلْعَصْرِ * إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ * إِلاَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلْحَقِّ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلصَّبْرِ } [ العصر : 1 - 3 ] . ذلك لأن المؤمنين إذا ما أثمر فيهم الإيمانُ العملَ الصالح فإنهم سيتعرضون ولا بُدّ لكثير من المتاعب والمشاق التي تحتاج إلى التواصي بالصبر والتواصي بالحق ، ولنا أسوة في هذه المسألة بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين تحمّلوا عِبء الدعوة وصبروا على الأذى في سبيل إيمانهم بالله تعالى . ثم يقول تعالى : { إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً } [ الكهف : 30 ] . نلاحظ أن { مَنْ } هنا عامة للمؤمن والكافر لذلك لم يَقُل سبحانه : إنَّا لا نضيع أجر مَنْ أحسن الإيمان لأن العامل الذي يُحسِن العمل قد يكون كافراً ، ومع ذلك لا يبخسه الله تعالى حَقّه ، بل يعطيه حظه من الجزاء في الدنيا . فالكافر إن اجتهد وأحسن في علم أو زراعة أو تجارة لا يُحرم ثمرة عمله واجتهاده ، لكنها تُعجَّل له في الدنيا وتنتهي المسألة حيث لا حَظَّ له في الآخرة . ويقول تبارك وتعالى : { وَقَدِمْنَآ إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَآءً مَّنثُوراً } [ الفرقان : 23 ] . ويقول تعالى : { مَّن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَآءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَّدْحُوراً } [ الإسراء : 18 ] . ويقول تعالى : { وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ ٱلظَّمْآنُ مَآءً حَتَّىٰ إِذَا جَآءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ ٱللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } [ النور : 39 ] . فهؤلاء قد استوفوا أجورهم ، وأخذوا حظّهم في الدنيا ألواناً من النعيم والمدح والثناء ، وخُلِّدتْ ذكراهم ، وأقيمت لهم التماثيل والاحتفالات لذلك يأتي في الآخرة فلا يجد إلا الحسرة والندامة حيث فُوجئ بوجود إله لم يكُنْ يؤمن به ، والإنسان إنما يطلب أجره مِمَّن عمل من أجله ، وهؤلاء ما عملوا لله بل للإنسانية وللمجتمع وللشهرة وقد نالوا هذا كله في الدنيا ، ولم يَبْقَ لهم شيء في الآخرة . ثم يقول الحق سبحانه : { أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ … } .