Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 18, Ayat: 60-60)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَاهُ … } [ الكهف : 60 ] أي : اذكر يا محمد وقت أنْ قال موسى لفتاه ، وفتى موسى هو خادمه يوشع ابن نون ، وكان من نَسْل يوسف - عليه السلام - وكان يتبعه ويخدمه ليتعلم منه . { لاۤ أَبْرَحُ حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ ٱلْبَحْرَيْنِ … } [ الكهف : 60 ] . لكن ، ما حكاية موسى مع فتاه ؟ وما مناسبتها للكلام هنا ؟ مناسبة قصة موسى هنا أن كفار مكة بعثوا ليهود المدينة يسألونهم عن خبر النبي صلى الله عليه وسلم لأنهم أهل كتاب وأعلم بالسماء ، فأرادوا رأيهم في محمد : أهو مُحِقٌّ أم لا ؟ فقال اليهود لوفد مكة : اسألوه عن ثلاثة أشياء ، فإن أجابكم فهو نبي : اسألوه عن الفتية الذين ذهبوا في الدهر ، والرجل الطواف الذي طاف البلاد ، وعن الروح ، فما كان منهم إلا أن سألوا رسول الله هذه الأسئلة ، فقال لهم : " في الغد أجيبكم " . إذن : إجابة هذه الأسئلة ليست عنده ، وهذه تُحسَب له لا عليه ، فلو كان محمد صلى الله عليه وسلم يضرب الكلام هكذا دون علم لأجابهم ، لكنه سكت إلى أن يأتي الجواب من الله تعالى ، وهذا من أدبه صلى الله عليه وسلم مع ربه الذي أدَّبه فأحسن تأديبه . ومرَّتْ خمسة عشر يوماً دون أن يُوحَى لرسول الله في ذلك شيء ، حتى شَقَّ الأمر عليه ، وفرح الكفار والمنافقون لأنهم وجدوا على رسول الله مأخذاً فاهتبلوا هذه الفرصة لينددوا برسول الله ، إنما أدب الله لرسوله فوق كل شيء ليبين لهم أن رسول الله لن يتكلم في هذه المسألة إلا بوحي من الله لأنه لا ينطق عن الهوى ولا يصدر عن رأيه . ولو كان لهؤلاء القوم عقول لفهموا أن البُطْءَ في هذه المسألة دليلُ صِدق النبي صلى الله عليه وسلم لذلك جاءت قصة موسى هنا لتردَّ على مهاترات القوم ، وتُبيِّن لهم أن النبي لا يعلم كل شيء ، وهل المفروض فيه أن يجيبكم عن كل شيء ؟ وهل يقدح في مكانته أنه لا يعرف مسألة ما ؟ جاءت هذه الآيات لتقول لليهود ومَنْ لَفَّ لَفَّهم من كفار مكة : أنتم متعصبون لموسى وللتوراة ولليهودية ، وها هو موسى يتعلم ليس من الله ، بل يتعلم من عبد مثله ، ويسير تابعاً له طلباً للعلم . جاءت الآيات لتقول لهم : يا مَنْ لقنتم كفار مكة هذه الأسئلة وأظهرتم الشماتة بمحمد حينما أبطأ عليه الوحي ، اعلموا أن إبطاء الوحي لتعلموا أن محمداً لا يقول شيئاً من عند نفسه ، فكان من الواجب أنْ تلفتكم هذه المسألة إلى صدق محمد وأمانته ، وما هو على الغيب بضنين . وسبب قصة موسى عليه السلام - يُقال : إنه سأل الله - وكان له دلال على ربه : { رَبِّ أَرِنِيۤ أَنظُرْ إِلَيْكَ … } [ الأعراف : 143 ] والذي أطمعه في هذا المطلب أن الله كلَّمه : { وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يٰمُوسَىٰ } [ طه : 17 ] فأطال موسى الكلام مع ربه ، ومَنْ الذي يكلمه الله ولا يطيل أمد الأُنْس بكلام الله ؟ لذلك قال موسى : { هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَىٰ } [ طه : 18 ] . وهكذا أطال موسى مدة الأنس بالله والحديث معه سبحانه ، لذلك سأله : يا ربّ ، أيوجد في الأرض أعلم مني ؟ فأجابه ربُّه تبارك وتعالى : نعم في الأرض مَنْ هو أعلم منك ، فاذهب إلى مجمع البحرين ، وهناك ستجد عبداً من عبيدي هو أعلم منك ، فأخذ موسى فتاه وذهب إلى مَجْمع البحرين . وقد ورد في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أن موسى - عليه السلام - خطب مرة فسُئِل : مَنْ أعلم ؟ فقال : أنا - يعني من البشر ، فأخبره الله تعالى : لا بل في الأرض من هو أعلم منك من البشر حتى لا يغتَرَّ موسى - عليه السلام - بما أعلمه الله . ثم يقول تعالى : { لاۤ أَبْرَحُ حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ ٱلْبَحْرَيْنِ … } [ الكهف : 60 ] . لا أبرح : أي لا أترك ، والبعض يظن أن لا أبرح تعني : لا أترك مكاني الذي أنا فيه ، لكنها تعني : لا أترك ما أنا بصدده ، فإنْ كنتُ قاعداً لا أترك القعود ، وإنْ كنتُ ماشياً لا أترك المشي ، وقد قال موسى - عليه السلام - هذا القول وهو يبتغي بين البحرين ، ويسير متجهاً إليه ، فيكون المعنى : لا أترك السير إلى هذا المكان حتى أبلغ مجمع البحرين . وقد وردت مادة برح في قوله تعالى في قصة يوسف عليه السلام : { فَلَنْ أَبْرَحَ ٱلأَرْضَ حَتَّىٰ يَأْذَنَ لِيۤ أَبِيۤ … } [ يوسف : 80 ] قالها كبيرهم بعد أن أخذ يوسف أخاه بنيامين ومنعه من الذهاب معهم ، فهنا استحى الأخ الأكبر من مواجهة أبيه الذي أخذ عليهم العهد والميثاق أنْ يأتوا به ويُعيدوه إليه . و " مجْمَع البحرين " أي : موضع التقائهما ، حيث يصيران بحراً واحداً ، كما يلتقي مثلاً دجلة والفرات في شَطِّ العرب . وقوله : { أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً } [ الكهف : 60 ] . الحُقُب : جمع حِقْبة ، وهي الفترة الطويلة من الزمن ، وقد قدَّروها بحوالي سبعين أو ثمانين سنة ، فإذا كان أقل الجمع ثلاثة ، فمعنى ذلك أن يسير موسى - عليه السلام - مائتين وعشرة سنين ، على اعتبار أن الحِقْبة سبعون سنة . ويكون المعنى : لا أترك السير إلى هذا المكان ولو سِرْتُ مائتين وعشرة سنين لأن موسى عليه السلام كان مَشُوقاً إلى رؤية هذا الرجل الأعلم منه ، كيف وهو النبي الرسول الذي أوحى الله إليه لذلك أخبره ربه أن عِلْم هذا الرجل علم من لدنا ، علم من الله لا من البشر . ثم يقول الحق سبحانه : { فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا … } .