Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 19, Ayat: 5-5)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الموَالِي من الولاء ، وهم أقاربه من أبناء عمومته ، فهم الجيل الثاني الذي سيأتي بعده ، ويخاف أنْ يحملوا المنهج ودين الله من بعده لأنه رأى من سلوكياتهم في الحياة عدم أهليتهم لحمْل هذه المهمة . { مِن وَرَآئِي … } [ مريم : 5 ] سبق أن أوضحنا في سورة الكهف أن كلمة وراء تأتي بمعنى : خلف ، أو أمام ، أو بعد ، أو غير . وهنا جاءت بمعنى : من بعدي . ثم يقول : { وَكَانَتِ ٱمْرَأَتِي عَاقِراً … } [ مريم : 5 ] والعاقر هي التي لا تلد بطبيعتها بداية ، أو صارت عاقراً بسبب بلوغها سِنَّ اليأس مثلاً . ونحن نعلم أن التكاثر والإنجاب في الجنس البشري ينشأ من رجل وامرأة ، وقد سبق أنْ وصفَ زكريا حاله من الضعف والكبر ، ثم يخبر عن زوجته بأنها عاقرٌ لا تلد ، إذن : فأسباب الإنجاب جميعها مُعطلَّة . وقوله : { وَكَانَتِ ٱمْرَأَتِي عَاقِراً … } [ مريم : 5 ] أي : هي بطبيعتها عاقر ، وهذا أمر مصاحب لها ليس طارئاً عليها ، فلم يسبق لها الإنجاب قبل ذلك . ثم يقول : { فَهَبْ لِي … } [ مريم : 5 ] والهِبَة هي العطاء بلا مقابل ، فالأسباب هنا مُعطَّلة ، والمقدمات تقول : لا يوجد إنجاب لذلك لم يقُلْ مثلاً : أعطني لأن العطاء قد يكون عن مقابل ، أما في هذه الحالة فالعطاء بلا مقابل وبلا مقدمات ، فكأنه قال : يارب إنْ كنتَ ستعطيني الولد فهو هِبَة منك لا أملك أسبابها لذلك قال في آية أخرى عن إبراهيم عليه السلام : { ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى ٱلْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ … } [ إبراهيم : 39 ] . ولنا وَقْفة ومَلْحظ في قوله تعالى { عَلَى ٱلْكِبَرِ … } [ إبراهيم : 39 ] حيث قال المفسرون : على هنا بمعنى مع وعلى ثلاثة أحرف ومع حرفان ، فلماذا عدل الحق تبارك وتعالى عن الخفيف إلى الثقيل ؟ لا بد أن وراء هذه اللفظ إضافةً جديدة ، وهي أن مع تفيد المعية فقط ، أما على فتفيد المعية والاستعلاء ، فكأنه قال : إن الكِبَر يا رب يقتضي ألاَّ يوجد الولد ، لكن طلاقة قدرتك أعلى من الكِبَر . ومن ذلك أيضاً قوله تعالى : { وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَىٰ ظُلْمِهِمْ … } [ الرعد : 6 ] كأن الظلم يقتضي أن يُعاقبوا ، لكن رحمة الله بهم ومغفرته لهم عَلَتْ على استحقاق العقاب . وقوله : { مِن لَّدُنْكَ … } [ مريم : 5 ] أي : من عندك أنت لا بالأسباب وَلِياً أي : ولداً صالحاً يليني في حَمْل أمانة تبليغ منهجك إلى الناس لِتسْلَم لهم حركة الحياة . ثم يقول : { يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ … } .