Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 19, Ayat: 87-87)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الكافر حين يباشر العذاب يطمع أول ما يطمع في أن يشفعَ له معبوده ، ويُخرجه ممَّا هو فيه لكِنْ هيهات ، ألم تقرأ قول الحق تبارك وتعالى : { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَآئِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ ٱلنَّاسُ كَانُواْ لَهُمْ أَعْدَآءً وَكَانُواْ بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ } [ الأحقاف : 5 - 6 ] . لذلك يقول تعالى عن هؤلاء يوم القيامة : { لاَّ يَمْلِكُونَ ٱلشَّفَاعَةَ … } [ مريم : 87 ] لأن الشفاعة لا تكون إلا لمن أخذ الإذن بها { إِلاَّ مَنِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحْمَـٰنِ عَهْداً } [ مريم : 87 ] . والعهد الذي تأخذه على الله بالشفاعة أنْ تُقدِّم من الحسنات ما يسع تكاليفك أنت ، ثم تزيد عليها ما يؤهلُك لأن تشفع للآخرين ، والخير لا يضيع عند الله ، فما زاد عن التكليف فهو في رصيدك في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة ، ولا يهمل مثقال ذرة . وعلى المؤمن - مهما كان مُسْرفاً على نفسه - ساعةَ يرى إنساناً مُقبلاً على الله مُستزيداً من الطاعات أنْ يدعوَ له بالمزيد ، وأن يفرح به لأن فائض طاعاته لعله يعود عليك ، ولعلك تحتاج شفاعته في يوم من الأيام . أما مَنْ يحلو لهم الاستهزاء والسخرية من أهل الطاعات ، كما أخبر الحق تبارك وتعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ كَانُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا ٱنقَلَبُوۤاْ إِلَىٰ أَهْلِهِمُ ٱنقَلَبُواْ فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوۤاْ إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ لَضَالُّونَ } [ المطفيين : 29 - 32 ] . فكيف ستقابل أهل الطاعات ، وتطمع في شفاعتهم بعدما كان منك ؟ فإنْ لم تكُنْ طائعاً فلا أقلَّ من أنْ تحب الطائعين وتتمسح بهم ، فهذه في حَدِّ ذاتها حسنةٌ لك ترجو نفعها يوم القيامة . وما أشبه الشفاعة في الآخرة بما حدث بيننا من شفاعة في الدنيا ، فحين يستعصي عليك قضاءُ مصلحة يقولون لك : اذهب إلى فلان وسوف يقضيها لك . وفعلاً يذهب معك فلان هذا ، ويقضي لك حاجتك ، فلماذا قُضِيتْ على يديه هو ؟ لا بُد أن له عند صاحب الحاجة هذه أياديَ لا يستطيع معها أنْ يرد له طلباً . إذن : لا بُدَّ لمن يشفع أن يكون له رصيد من الطاعات يسمح له بالشفاعة ، وإذا تأملت لوجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم أول مَنْ قدّم رصيداً إيمانياً وسع تكليفه وتكليف أمته ، ألم يخبر عنه ربه بقوله : { يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ … } [ التوبة : 61 ] لذلك وجبت له الشفاعة ، وأُذِن له فيها . والحق - تبارك وتعالى - لا يغفل الرصيد في خَلقه أبداً ، فكل ما قدَّمت من طاعات فوق ما كلَّفك الله به مُدَّخَر لك ، حتى إن الإنسان إذا اتُّهِم ظلماً ، وعُوقِب على عمل لم يرتكبه فإن الله يدَّخرها له ويستر عليه ما ارتكبه فعلاً فلا يُعاقب عليه . فالعهد - إذن - في قوله تعالى : { إِلاَّ مَنِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحْمَـٰنِ عَهْداً } [ مريم : 87 ] أن تدخل مع ربك في مقام الإحسان ، ولا يدخل هذا المقام إلا مَنْ أدَّى ما عليه من تكليف ، وإلا فكيف تكون مُحسِناً وأنت مٌقصِّر في مقام الإيمان ؟ وأقرأ إنْ شئت قول الله تعالى : { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَآ آتَاهُمْ رَبُّهُمْ … } [ الذاريات : 15 - 16 ] ما العلة ؟ { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُواْ قَلِيلاً مِّن ٱللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِٱلأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِيۤ أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لَّلسَّآئِلِ وَٱلْمَحْرُومِ } [ الذاريات : 16 - 19 ] . فالمحسن مَنْ يُؤدِّي من الطاعات فوق ما فرض الله عليه ، ومن جنس ما فرض ، فالله تعالى لم يُكلِّفنا بقيام الليل والاستغفار بالأسحار ، ولم يفرض علينا صدقة للسائل والمحروم ، ولا بُدَّ أنْ نُفرِّق هنا بين حق وحق معلوم هنا قال حق فقط لأن الكلام عن الصدقة أما الحق المعلوم ففي الزكاة . ثم يقول الحق سبحانه : { وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحْمَـٰنُ … } .