Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 111-111)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

بعد أن بَيَّنَ الحق تبارك وتعالى كيف أن كل عمل في منهج الله له أجر ، وأجر باق وثابت ومضاعف عند الله ومحفوظ بقدرة الله سبحانه … أراد أن يرد على ادعاءات اليهود والنصارى الذين يحاولون أن يثيروا اليأس في قلوب المؤمنين بالكذب والإحباط علهم ينصرفون عن الإسلام … لذلك فقد أبلغنا الله سبحانه بما افتروه . واقرأ قوله تعالى : { وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ } [ البقرة : 111 ] … وفي هذه الآية الكريمة يظهر التناقض بين أقوال اليهود والنصارى … ولقد أوردنا كيف أن اليهود قد قالوا { لَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً } [ البقرة : 111 ] … وقالت النصارى : " لن يدخل الجنة إلا من كان نصرانياً " … والله سبحانه وتعالى يفضح التناقض في آية ستأتي في قوله تبارك وتعالى : { وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ لَيْسَتِ ٱلنَّصَارَىٰ عَلَىٰ شَيْءٍ وَقَالَتِ ٱلنَّصَارَىٰ لَيْسَتِ ٱلْيَهُودُ عَلَىٰ شَيْءٍ … } [ البقرة : 113 ] . ومعنى ذلك أنهم تناقضوا في أقوالهم ، فقالت النصارى : إنهم سيدخلون الجنة وحدهم ، وقالت اليهود القول نفسه . ثم قالوا : لن يدخل الجنة إلا من كان يهودياً أو نصرانياً … ثم قالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء . ويقول الناس إذا كنت كذوباً فكن ذكوراً ذلك أن الذي يكذب تتناقض أقواله لأنه ينسى ما دام قد قال غير الحقيقة ، ولذلك تجد أن المحقق أو القاضي يظل يسأل المتهم أسئلة مختلفة … حتى تتناقض أقواله فيعرف أنه يكذب … فأنت إذا رويت الواقعة كما حدثت فإنك ترويها مائة مرة دون أي خلاف في التفاصيل . ولكنك إذا كذبت تتناقض مع نفسك … والله سبحانه وتعالى يقول : { تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ } [ البقرة : 111 ] … ما هي الأماني ؟ … هي أن تعلق نفسك بأمنية وليس لهذه الأمنية سند من الواقع يوصلك إلى تحقيق هذه الأمنية … ولكن إذا كان التمني قائماً على عمل يوصلك إلى تحقيق الأمنية فهذا شيء آخر . بعض الناس يقول التمني وإن لم يتحقق فإنه يُرَوِّحُ عن النفس … فقد ترتاح النفس عندما تتعلق بأمل كاذب وتعيش أياماً في نوع من السعادة وإن كانت سعادة وهمية … نقول إن الصدمة التي ستلحق بالإنسان بعد ذلك ستدمره … ولذلك لا يكون في الكذب أبداً راحة … فأحلام اليقظة لا تتحقق لأنها لا تقوم على أرضية من الواقع وهي لا تعطي الإنسان إلا نوعاً من بعد عن الحقيقة … ولذلك يقول الشاعر : @ مُنَى إِنْ تَكُنْ حقاً تَكُنْ أَحْسَنَ الْمنَى وَإِلاّ فَقَدْ عِشْنَا بِهَا زَمَناً رَغْدَا @@ يعني الأماني لو كانت حقيقة أو تستند إلى الحقيقة فإنها أحسن الأماني لأنها تعيش معك . . فإن لم تكن حقيقة يقول الشاعر : @ فقد عشنا بها زمنا رغداً أماني من ليلى حسان كأنما سقتنا بها ليلى على ظمأ برداً @@ وقوله تعالى : { تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ } [ البقرة : 111 ] تبين لنا أن الأماني هي مطامع الحمقى لأنها لا تتحقق … والحق سبحانه يقول : { قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ } [ البقرة : 111 ] … وما هو البرهان ؟ … البرهان هو الدليل … ولا تطلب البرهان إلا من إنسان وقعت معه في جدال واختلفت وجهات النظر بينك وبينه … ولا تطلب البرهان إلا إذا كنت متأكداً أن محدثك كاذب … وأنه لن يجد الدليل على ما يدعيه . هب أن شخصاً ادعى أن عليك مالاً له … وطلب منك أن تعيده إليه وأنت لم تأخذ منه مالاً … في هذه الحالة تطلب منه تقديم الدليل … فالكمبيالة التي كتبتها له أو الشيك أو إيصال الأمانة … وأضعف الإيمان أن تطلب منه شهوداً على أنك أخذت منه المال … ولكن قبل أن تطالبه بالدليل … يجب أن تكون واثقاً من نفسك وأنه فعلاً يكذب وأنك لم تأخذ منه شيئاً . إذن فقول الحق سبحانه : { هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ } [ البقرة : 111 ] … كلام من الله يؤكد أنهم كاذبون … وأنهم لو أرادوا أن يأتوا بالدليل … فلن يجدوا في كتب الله ولا في كلام رسله ما يؤكد ما يدعونه ، وإن أضافوه يكن هذا افتراء على الله ويكن هناك الدليل الدامغ على أن هذا ليس من كلام الله ولكنه من افتراءاتهم . إذن فليس هناك برهان على ما يقولونه … ولو كان هناك برهان ولو كان في هذا الكلام ولو جزءاً من الحقيقة … ما كان الله سبحانه وتعالى يطالبهم بالدليل . إذن لا تقول هاتوا برهانكم إلا إذا كنت واثقاً أنه لا برهان على ما يقولون لأنك رددت الأمر إليه فيما يدعيه … وهو يحب أن يثبته ويفعل كل شيء في سبيل الحصول على برهان … ولا يمكن أن يقول الله : { هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ } [ البقرة : 111 ] … إلا وهو سبحانه يعلم أنهم يكذبون … ولذلك قال : { إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ } [ البقرة : 111 ] … أي إن كنتم واثقين من أن ما تقولونه صحيح لأن الله يعرف يقيناً أنكم تكذبون .