Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 124-124)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يأتي الحق سبحانه وتعالى إلى قصة إبراهيم عليه السلام … ليصفي الجدل والتشكيك الذي أحدثه اليهود عند تغيير القبلة … واتجاه المسلمين إلى الكعبة المشرفة بدلا من بيت المقدس … كذلك الجدل الذي أثاره اليهود بأنهم شعب الله المختار وأنه لا يأتي نبي إِلاَّ منهم . يريد الله تبارك وتعالى أن يبين صلة العرب بإبراهيم وصلتهم بالبيت … فيقول الحق جل جلاله : { وَإِذِ ٱبْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ } [ البقرة : 124 ] … ومعناها اذكر إذا ابتلى الله إبراهيم … وإذ هنا ظرف وهناك فرق بينها وبين إذا الشرطية في قوله تعالى : { إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ ٱلنَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ ٱللَّهِ أَفْوَاجاً } [ النصر : 1 - 2 ] . إذا هنا ظرف ولكنه يدل على الشرط … أما إذ فهي ظرف فقط … وقوله تعالى : { وَإِذِ ٱبْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ } [ البقرة : 124 ] … معناها اذكر وقت أن ابتلى إبراهيم بكلمات . ما معنى الابتلاء ؟ الناس يظنون أنه شر ولكنه في الحقيقة ليس كذلك … لأن الابتلاء هو امتحان إن نجحنا فيه فهو خير وإن رسبنا فيه فهو شر … فالابتلاء ليس شراً ولكنه مقياس لاختبار الخير والشر . الذي ابتلى هو الله سبحانه … هو الرب … والرب معناه المربي الذي يأخذ من يربيه بأساليب تؤهله إلى الكمال المطلوب منه … ومن أساس التربية أن يمتحن المربي من يربيه ليعلم هل نجح في التربية أم لا ؟ والابتلاء هنا بكلمات والكلمات جمع كلمة … والكلمة قد تطلق على الجملة مثل قوله تعالى : { وَيُنْذِرَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً * مَّا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلاَ لآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً } [ الكهف : 4 - 5 ] . إذن فالكلمة قد تطلق على الجملة وقد تطلق على المفرد … كأن تقول مثلاً محمد وتسكت … وفي هذه الحالة لا تكون جملة مفيدة … والكلمة المرادة في هذه الآية هي التكليف من الله . قوله سبحانه افعل ولا تفعل … فكأن التكليف من الله مجرد كلمة وأنت تؤدي مطلوبها أو لا تؤديه … وقد اختلف العلماء حول الكلمات التي تلقاها إبراهيم من ربه … نقول لهم إن هذه الكلمات لابد أن تناسب مقام إبراهيم أبي الأنبياء … إنها ابتلاء يجعله أهلاً لحمل الرسالة … أي لابد أن يكون الابتلاء كبيراً … ولقد قال العلماء إن الابتلاءات كانت عشرة وقالوا أربعين منها عشرة في سورة التوبة وهي قوله تعالى : { ٱلتَّائِبُونَ ٱلْعَابِدُونَ ٱلْحَامِدُونَ ٱلسَّائِحُونَ ٱلرَّاكِعُونَ ٱلسَّاجِدونَ ٱلآمِرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱلنَّاهُونَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ وَٱلْحَافِظُونَ لِحُدُودِ ٱللَّهِ … } [ التوبة : 112 ] . وهذه رواية عبد الله بن عباس … وعشرة ثانية في سورة المؤمنون . وفي قوله سبحانه : { قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ * ٱلَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنِ ٱللَّغْوِ مُّعْرِضُونَ * وَٱلَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَـاةِ فَاعِلُونَ * وَٱلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَّ عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ٱبْتَغَىٰ وَرَآءَ ذٰلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْعَادُونَ * وَٱلَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْوَارِثُونَ } [ المؤمنون : 1 - 10 ] . وبعد ذلك قال : " أولئك هم الوارثون " . وفي سورة الأحزاب يذكر منهم قوله جل جلاله : { إِنَّ ٱلْمُسْلِمِينَ وَٱلْمُسْلِمَاتِ وَٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ وَٱلْقَانِتِينَ وَٱلْقَانِتَاتِ وَٱلصَّادِقِينَ وَٱلصَّادِقَاتِ وَٱلصَّابِرِينَ وَٱلصَّابِرَاتِ وَٱلْخَاشِعِينَ وَٱلْخَاشِعَاتِ وَٱلْمُتَصَدِّقِينَ وَٱلْمُتَصَدِّقَاتِ وٱلصَّائِمِينَ وٱلصَّائِمَاتِ وَٱلْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَٱلْحَافِـظَاتِ وَٱلذَّاكِـرِينَ ٱللَّهَ كَثِيراً وَٱلذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً } [ الأحزاب : 35 ] . وفي سورة المعارج يقول : { إِلاَّ ٱلْمُصَلِّينَ * ٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلاَتِهِمْ دَآئِمُونَ * وَٱلَّذِينَ فِيۤ أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ * لِّلسَّآئِلِ وَٱلْمَحْرُومِ * وَٱلَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ ٱلدِّينِ * وَٱلَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ * إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ * وَٱلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَّ عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ٱبْتَغَىٰ وَرَآءَ ذَلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْعَادُونَ * وَٱلَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِم قَائِمُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ } [ المعارج : 22 - 34 ] . نخرج من هذا الجدل ، بأن نقول إن الله ابتلى إبراهيم بكلمات تكليفية افعل كذا ولا تفعل كذا … وابتلاه بأن أُلْقِيَ في النار وهو حي فلم يجزع ولم يتراجع ولم يتجه إلا لله وكانت قمة الابتلاء أن يذبح ابنه . وكون إبراهيم أدى جميع التكليفات بعشق وحب وزاد عليه من جنسها … وكونه يلقى في النار ولا يبالي يأتيه جبريل فيقول ألك حاجة فيرد إبراهيم أَمَّا إليك فلا … وأما إلى الله فعلمه بحالي يغنيه عن سؤالي … وكونه وهو شيخ كبير يبتلى بذبح ابنه الوحيد فيطيع بنفس مطمئنة ورضا بقدر الله … يقول الحق : { أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَىٰ * وَإِبْرَاهِيمَ ٱلَّذِي وَفَّىٰ } [ النجم : 36 - 37 ] . أي وَفَّى كل ما طلب منه وأداه بعشق للمنهج ولابتلاءات الله … لقد نجح إبراهيم عليه السلام في كل ما ابتلي به أو اختبر به … والله كان أعز عليه من أهله ومن نفسه ومن ولده … ماذا كافأه الله به ؟ قال : { قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً … } [ البقرة : 124 ] . أي أن الحق تبارك وتعالى ائتمنه أن يكون إماماً للبشر … والله سبحانه كان يعلم وفاء إبراهيم ولكنه اختبره لنعرف نحن البشر كيف يصطفي الله تعالى عباده المقربين وكيف يكونون أئمة يتولون قيادة الأمور … استقبل إبراهيم هذه البشرى من الله وقال كما يروي لنا القرآن الكريم : { قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي … } [ البقرة : 124 ] . ما هي الذرية ؟ هي النسل الذي يأتي والولد الذي يجئ . . لأنه يحب استطراق الخير على أولاده وأحفاده وهذه طبيعة البشر ، فهم يعطون ثمرة حركتهم وعملهم في الحياة لأولادهم وأحفادهم وهم مسرورون … ولذلك أراد إبراهيم أن ينقل الإمامية إلى أولاده وأحفاده … حتى لا يحرموا من القيم الإيمانية تحرس حياتهم وتؤدي بهم إلى نعيم لا يزول … ولكن الله سبحانه وتعالى يرد على إبراهيم بقضية إيمانية أيضاً هي تقريع لليهود … الذي تركوا القيم وعبدوا المادة فيقول جل جلاله : { لاَ يَنَالُ عَهْدِي ٱلظَّالِمِينَ } [ البقرة : 124 ] . فكأن إبراهيم بأعماله قد وصل إلى الإمامية … ولكن هذا لا ينتقل إلا للصالحين من عباده العابدين المسبحين . وقوله الحق سبحانه : { لاَ يَنَالُ عَهْدِي ٱلظَّالِمِينَ } [ البقرة : 124 ] مقصود به اليهود الذين باعوا قيمهم الإيمانية بالمادة ، وهو استقراء للغيب أنه سيأتي من ذرية إبراهيم من سيفسق ويظلم . ومن العجائب أن موسى وهارون عليهما السلام كانا رسولين … الرسول الأصيل موسى ، وهارون جاء ليشد أزره لأنه فصيح اللسان … وشاءت إرادة الله سبحانه أن تستمر الرسالة في ذرية هارون وليس في ذرية موسى … والرسالة ليست ميراثاً … وقوله تعالى { لاَ يَنَالُ عَهْدِي ٱلظَّالِمِينَ } [ البقرة : 124 ] … فكأن عهد الله هو الذي يجذب صاحبه أي هو الفاعل … نأتي بعد ذلك إلى مسألة الجنس والدم واللون … بنوة الأنبياء غير بنوة الناس كلهم فالأنبياء اصطفاؤهم اصطفاء قيم وأبناؤهم هم الذين يأخذون منهم هذه القيم وليسوا الذين يأخذون الجنس والدم واللون … ولو رجعنا إلى قصة نوح عليه السلام حين غرق ابنه … رفع يديه إلى السماء وقال : { رَبِّ إِنَّ ٱبْنِي مِنْ أَهْلِي … } [ هود : 45 ] . فرد عليه الحق سبحانه وتعالى فقال : { إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ … } [ هود : 46 ] . إن أهل النبوة هم الذين يأخذون القيم عن الأنبياء … ولولا أن الحق سبحانه قال لنا " إنه عمل غير صالح " … لاعتقدنا أنه ربما جاء من رجل آخر أو غير ذلك … ولكن الله يريدنا أن نعرف أن عدم نسبة ابن نوح إلى أبيه بسبب " إنه عمل غير صالح " .