Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 139-139)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

تحديد الأمر بِقُلْ إيقاظ لمهمة التكليف عند رسول الله صلى الله عليه وسلم … والله سبحانه وتعالى حين يقول لرسوله عليه الصلاة والسلام - قل - كان يكفي أن يقول ما يريده سبحانه … فأنت إذا قلت لابنك اذهب إلى أخيك وقل له أبوك يأمرك بكذا فيذهب الولد ويقول هذا الكلام دون أن يقول كلمة قل … ولكن خطاب الله لرسوله صلى الله عليه وسلم بكلمة قل تلفتنا إلى أن هذا الأمر ليس من عنده ولكنه من عند الله سبحانه ، ومهمة الرسول هي البلاغ . إن تكرار كلمة " قل " في الآيات هي نسبة الكلام المقول إلى عظمة قائله الأول وهو الله تبارك وتعالى … فالكلام ليس من عند رسول الله ولكن قائله هو الله جل جلاله . قوله تعالى : { قُلْ أَتُحَآجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ } [ البقرة : 139 ] … المحاجة معناها حوار بالحجة ، كل من المتحاورين يأتي بالحجة التي تؤيد رأيه أو وجهة نظره … وإذا قرأت قوله تعالى : { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ … } [ البقرة : 258 ] . أي قال كل منهما حجته … ولابد أن يكونا خصمين كل منهما يعاند رأيه الرأي الآخر وكل يحاول أن يأتي بالحجة التي تثبت صدق كلامه فيرد عليه خصمه بالحجة التي تهدم هذا الكلام وهكذا . قوله تعالى : { أَتُحَآجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ } [ البقرة : 139 ] … وما دام الله رب الجميع كان من المنطق أن نلتقي لأنه ربي وربكم حظنا منه سواء … ولكن ما دامت قد قامت الحجة بيننا فأحدنا على باطل … واقرأ قوله سبحانه : { وَٱلَّذِينَ يُحَآجُّونَ فِي ٱللَّهِ مِن بَعْدِ مَا ٱسَتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ } [ الشورى : 16 ] . والمحاجة لا يمكن أن تقوم بين حق وحق وإنما تقوم بين حق وباطل وبين باطل وباطل … لأن هناك حقاً واحداً ولكن هناك مائة طريق إلى الباطل … فما دامت المحاجة قد قامت بيننا وبينكم ونحن على حق فلابد أنكم على باطل … وليحسم الحق سبحانه وتعالى هذه المسألة ويمنع الجدل والجدال قال سبحانه : { وَلَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ } [ البقرة : 139 ] … أي لا نريد جدلاً لأن الجدل لن يفيد شيئاً … نحن لنا أعمالنا وأنتم لكم أعمالكم وكل عمل سيجازى صاحبه عليه بمدى إخلاصه لله … ونحن أخلصنا العبادة لله وحدة وأنتم اتجهتم بعبادتكم إلى ما تحبه أهواؤكم . إن الله سبحانه وتعالى الذي هو ربنا وربكم لا يفضل أحداً على أحد إلا بالعمل الصالح المخلص لوجه الله … ولذلك فنحن نضع الإخلاص أولاً وقد يكون العمل واحداً أمام الناس . . هذا يأخذ به ثواباً وذلك يأخذ به وزراً وعذاباً فالمهم هو أن يكون العمل خالصاً لله . قد يقول إنسان إن الإخلاص في العمل والعمل مكانه القلب … وما دام الإنسان لا يؤذي أحداً ولا يفعل منكراً فليس من الضروري أن يصلي ما دامت النية خالصة … نقول إن المسألة ليست نيات فقط ولكنها أعمال ونيات … ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إنما الأعمال بالنيات " فلابد من عمل بعد النية … لأن النية تنتفع بها وحدك والعمل يعود على الناس … فإذا كان في نيتك أن تتصدق وتصدقت انتفع الفقراء بمالك … ولكن إذا لم يكن في نيتك فعل الخير وفعلته لتحصل على سمعة أو لترضي بشراً انتفع الفقراء بمالك ولن تنتفع أنت بثواب هذا المال … والله سبحانه وتعالى يريد أن يقترن عملك بنية الإخلاص لله … والعمل حركة في الحياة . والنية هي التي تعطي الثواب لصاحبه أو تمنع عنه الثواب ولذلك يقول الله جل جلاله : { إِن تُبْدُواْ ٱلصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا ٱلْفُقَرَآءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } [ البقرة : 271 ] . فالله سبحانه وتعالى يريدنا أن نتصدق … والفقير سينتفع بالصدقة سواء كانت نيتك أن يقال عنك رجل الخير المتصدق … أو أن يقال عنك رجل البر والتقوى أو أن تخفي صدقتك … فالعمل يُفْعل فينتفع به الناس سواء أردت أم لم ترد . أنت إذا قررت أن تبني عمارة ، النية هنا هي التملك . ولكن انتفع ألوف الناس بهذا العمل ابتداء من الذي باع لك قطعة الأرض والذي أعد لك الرسم الهندسي وعمال الحفر والذي وضع الأساس ومن قام بالبناء وغيرهم وغيرهم … هؤلاء انتفعوا من عملك برزق لهم … سواء أكان في بالك الله أم لم يكن في بالك الله فقد انتفعوا . إذن فكل عمل فيه نفع للناس أردت أو لم ترد … ولكن الله لا يجزي على الأعمال بإطلاقها وإنما يجزي على النيات بإخلاصها … فإن كان عملك خالصاً لله جزاك الله عليه … وإن كان عملك لهدف آخر فلا جزاء لك عند الله لأنه سبحانه أغنى الشركاء عن الشرك . إن الذين يتعجبون من أن إنساناً كافراً قدم كشفاً هاماً للبشرية ، ولكنه لم يكن مؤمناً بالله … يتعجبون أيعذب في النار ؟ نقول نعم لأنه عمل وليس في قلبه الله … ولذلك يجازى في الحياة الدنيا ، فتقام له التماثيل ويطلق اسمه على الميادين ويخلد اسمه في الدنيا التي عمل من أجلها … ولكن ما دام ليس في نيته الله فلا جزاء له عند الله .