Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 160-160)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أي أعلنوا التوبة وهي أمر ذاتي ، وأصلحوا بمقدار ما أفسدوا ، وبينوا للناس بمقدار ما كتموا ، إذن شرط التوبة أن يعود كل حق لصاحبه ، فالذي كتم شيئاً عليه أن يبينه ، فالكتمان لا يؤثر فقط في العلاقة بين العبد والرب ، ولكنه يضر العباد ، والحق سبحانه حين يفتح باب التوبة للعبد يقول : { تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوۤاْ … } [ التوبة : 118 ] . ومادة " تاب " تعني الرجوع إلى الله ، فعندما يتوب العبد فهو يعود إلى ربه طالباً المغفرة عن العصْيان والذنب ، وعندما يتوب الله على عبد ، فذلك يعني أن الله قبل توبته ، فبعد أن كان مقدراً له أن يُعذب فإن الله يعفو عنه فلا يُعذِبُه ، إذن فالتوبة كلها رجوع إلى الله ، وحين تُقدم التوبة من الله على التوبة من العباد في قوله : " تاب عليهم ليتوبوا " ، فمعنى ذلك أن الحق شرع التوبة وقننها ليفتح باب الرجوع إليه ، فهناك ثلاث مراحل للتوبة : المرحلة الأولى : هي أن الله شرع التوبة . المرحلة الثانية : هي أن يتوب العبد . المرحلة الثالثة : أن يقبل الله التوبة . وكلها تعني الرجوع عن المعصية والذنب . إذن فأي إنسان يذنب ذنباً لابد أن يصلح هذا الذنب من جنس ما فعل ، فإن فعل ذنباً سراً فيكفيه أن يتوب سراً ، أما إن كسر حدود الله علنا ، فنقول له : لا يستقيم أبداً أن تعصي الله علنا أمام الناس وتكون أسوة سيئة لأناس تجعلهم يتجرأون ويكسرون حدود الله ثم تتوب بينك وبين الله سراً ، لابد أن تكون توبتك علناً ، ولذلك فالمثل العامي يقول : " تضربني في شارع وتصالحني في حارة " . إن الذي يكسر حداً من حدود الله أمام الناس نقول له : لابد أن تعلن توبتك أمام الناس جميعاً ، ولذلك نحن ندرأ الحدود بالشبهات ، لكن الذي يتباهى بأنه ارتكب الذنب لا نتركه ، مثلاً الذي شهد عليه أربعة بأنه ارتكب ذنباً من الكبائر كالزنى ، لقد ظل يفعل الذنب باستهتار إلى أن شهد عليه أربعة ، هل يعقل أن نقول له : ندرأها بالشبهات ؟ . لا . هو كسر الحد علنا فوجبت معاقبته بإقامة الحد . وأما الذين تابوا وأصلحوا ما أفسدوه وبَيَّنوا للناس ما كتموه فجزاؤهم توبة من الله . ومن لطف الله بالإنسان أن شرع التوبة حتى يشعر الناس بالذنب ، وجعلها من فعل التائب ومن فعل قابل التوبة ، وهو الله سبحانه فقال : " تابوا " و " أتوب " ، كل ذلك حتى لا يستشعر الإنسان عندما يرتكب ذنباً ويتوب أنها مسألة مستعصية ، إن الحق يقول : { فَأُوْلَـئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } [ البقرة : 160 ] إنه سبحانه يتوب على من تاب عن الذنب ويتوب عن المذنبين جميعاً ، فهو تعالى " تواب " وهي كلمة تعني المبالغة في الصفة . ويقول الحق بعد ذلك : { إِن الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ ٱللَّهِ … } .