Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 186-186)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وما دمت قد ذقت حلاوة ما أعطاك الحق من إشراقات صفائية في الصيام فأنت ستتجه إلى شكره سبحانه ، وهذا يناسب أن يرد عليك الحق فيقول : { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ } [ البقرة : 186 ] ونلحظ أن " إذا " جاءت ، ولم تأتي " إن " فالحق يؤكد لك أنك بعدما ترى هذه الحلاوة ستشكر الله لأنه سبحانه يقول في الحديث القدسي : " ثلاثة لا ترد دعوتهم ، الصائم حتى يفطر ، والإمام العادل ، ودعوة المظلوم ، يرفعها الله فوق الغمام وتفتح لها أبواب السماء ، ويقول الرب : وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين " . فما دام سبحانه سيجيب الدعوة ، وأنت قد تكون من العامة لا إمامة لك ، وكذلك لست مظلوماً ، إذن تبقى دعوة الصائم . وعندما تقرأ في كتاب الله كلمة " سأل " ستجد أن مادة السؤال بالنسبة للقرآن وردت وفي جوابها " قل " . { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ … } [ البقرة : 219 ] . وقوله : { وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ ٱلْعَفْوَ … } [ البقرة : 219 ] . وقوله : { يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَآ أَنْفَقْتُمْ مِّنْ خَيْرٍ … } [ البقرة : 215 ] . وكل " يسألونك " يأتي في جوابها " قل " إلا آية واحدة جاءت فيها " فقل " بالفاء ، وهي قول الحق : { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي … } [ طه : 105 ] . انظر إلى الدقة الأدائية : الأولى " قل " ، وهذه " فقل " ، فكأن { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ } [ البقرة : 219 ] يؤكد أن السؤال قد وقع بالفعل ، ولكن قوله : { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْجِبَالِ } [ طه : 105 ] ، فالسؤال هذا ستتعرض له ، فكأن الله أجاب عن أسئلة وقعت بالفعل فقال : " قل " ، والسؤال الذي سيأتي من بعد ذلك جاء وجاءت إجابته بـ " فقل " أي أعطاه جواباً مسبقاً ، إذن ففيه فرق بين جواب عن سؤال حدث ، وبين جواب عن سؤال سوف يحدث ، ليدلك على أن أحداً لن يفاجئ الله بسؤال ، { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً } [ طه : 105 ] . لكن نحن الآن أمام آية جاء فيها سؤال وكانت الإجابة مباشرة : { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي } [ البقرة : 186 ] . فلم يقل : فقل : إنِّي قريب لأن قوله : " قل " هو عملية تطيل القرب ، ويريد الله أن يجعل القرب في الجواب عن السؤال بدون وساطة { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ } [ البقرة : 186 ] . لقد جعل الله الجواب منه لعباده مباشرة ، وإن كان الذي سيبلغ الجواب هو رسوله صلى الله عليه وسلم ، وهذه لها قصة : لقد سألوا رسول الله : أقريب ربك فنناجيه أم بعيد فنناديه ؟ لأن عادة البعيد أن يُنادي ، أما القريب فيُناجي ، ولكي يبين لهم القرب ، حذف كلمة " قل " ، فجاء قول الحق : { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ } [ البقرة : 186 ] وما فائدة ذلك القرب ؟ إن الحق يقول : { أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ } [ البقرة : 186 ] ولكن ما الشروط اللازمة لذلك ؟ لقد قال الحق : { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي } [ البقرة : 186 ] ونعرف أن فيه فرقاً بين " عبيد " و " عباد " ، صحيح أن مفرد كل منهما " عبد " ، لكن هناك " عبيد " و " عباد " ، وكل من في الأرض عبيد الله ، ولكن ليس كل من في الأرض عباداً لله ، لماذا ؟ لأن العبيد هم الذين يُقهرون في الوجود كغيرهم بأشياء ، وهناك من يختارون التمرد على الحق ، لقد أخذوا اختيارهم تمرداً ، لكن العباد هم الذين اختاروا الانقياد لله في كل الأمور . إنهم منقادون مع الجميع في أن واحدا لا يتحكم متى يولد ، ولا متى يموت ، ولا كيف يوجد ، لكن العباد يمتازون بأن الأمر الذي جعل الله لهم فيه اختياراً قالوا : صحيح يا رب أنت جعلت لنا الاختيار ، وقد اخترنا منهجك ، ولم نترك هوانا ليحكم فينا ، أنت قلت سبحانك : " افعل كذا " و " لا تفعل كذا " ونحن قبلنا التكليف منك يا رب . ولا يقول لك ربك : " افعل " إلا إذا كنت صالحاً للفعل ولعدم الفعل . ولا يقول لك : " لا تفعل " إلا إذا كنت صالحاً لهذه ولهذه . إذن فكلمة " افعل " و " لا تفعل " تدخل في الأمور الاختيارية ، والحق قد قال : " افعل " و " لا تفعل " ثم ترك أشياء لا يقول لك فيها " افعل " و " لا تفعل " ، فتكون حراً في أن تفعلها أو لا تفعلها ، اسمها " منطقة الاختيار المباح " ، فهناك اختيار قُيِّدَ بالتكليف بافعل ولا تفعل ، واختيار بقي لك أن تفعله أو لا تفعله ولا يترتب عليه ضرر فالذي أخذ الاختيار وقال : يا رب أنت وهبتني الاختيار ، ولكنني تركت لك يا واهب الاختيار أن توجه هذا الاختيار كما تحب ، أنا سأتنازل عن اختياري ، وما تقول لي : " افعل " سأفعله ، والذي تقول لي : " لا تفعله " لن أفعله . إذن فالعباد هم الذين أخذوا منطقة الاختيار ، وسلموها لمن خلق فيهم الاختيار ، وقالوا لله : وإن كنت مختاراً إلا أنني أمنتك على نفسي . إن العباد هم الذين ردوا أمر الاختيار إلى من وهب الاختيار ويصفهم الحق بقوله : { وَعِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَىٰ ٱلأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً * وَالَّذِينَ يِبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً } [ الفرقان : 63 - 64 ] . هؤلاء هم عباد الرحمن ، ولذلك يقول الحق للشيطان في شأنهم : { إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ … } [ الحجر : 42 ] . إذن فللشيطان سلطان على مطلق عبيد لأنه يدخل عليهم من باب الاختيار ، ولم تأت كلمة " عبادي " لغير هؤلاء إلا حين تقوم الساعة ، ويحاسب الحق الذين أضلوا العباد فيقول : { أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي … } [ الفرقان : 17 ] . ساعة تقوم الساعة لا يوجد الاختيار ويصير الكل عباداً حتى الكفرة لم يعد لهم اختيار . وحين يقول الحق : { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ } [ البقرة : 186 ] فالعباد الذين التزموا لله بالمنهج الإيماني لن يسألوا الله إلا بشيء لا يتنافى مع الإيمان وتكاليفه . والحق يقول : { فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي } [ البقرة : 186 ] لأن الدعاء يطلب جواباً ، وما دمت تطلب إجابة الدعاء فتأدب مع ربك فهو سبحانه قد دعاك إلى منهجه فاستجب له إن كنت تحب أن يستجيب الله لك { فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي } [ البقرة : 186 ] ، وبعد ذلك يتكلم الحق سبحانه وتعالى في كلمة " الداع " ولا يتركها مطلقة ، فيقول : " إذا دعان " فكأن كلمة " دعا " تأتي ويدعو بها الإنسان ، وربما اتجه بالدعوة إلى غير القادر على الإجابة ، ومثال ذلك قول الحق : { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ … } [ الأعراف : 194 ] . وقوله الحق : { إِن تَدْعُوهُمْ لاَ يَسْمَعُواْ دُعَآءَكُمْ … } [ فاطر : 14 ] . فكأن الداعي قد يأخذ صفة يدعو بها غير مؤهل للإجابة ، والحق هنا قال : { أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ } [ البقرة : 186 ] أما إذا ذهب فدعا غير قادر على الوفاء فالله ليس مسئولاً عن إجابة دعوته . إن الحق سبحانه وتعالى يريد أن يعلمنا أن الإنسان يدعو بالخير لنفسه ، وأنت لا تستطيع أن تحدد هذا الخير لأنك قد تنظر إلى شيء على أنه الخير وهو شر ، وما دمت تدعو فأنت تظن أن ذلك هو الخير ، إذن فملحظية الأصل في الدعاء هي أنك تحب الخير ، ولكنك قد تخطىء الطريق إلى فهم الخير أو الوسيلة إلى الخير ، أنت تحب الخير لا جدال ، لذلك تكون إجابة ربك إلى دعائك هي أن يمنع إجابة دعوتك إن كانت لا تصادف الخير بالنسبة لك ، ولذلك يجب ألا تفهم أنك حين لا تجاب دعوتك كما رجوت وطلبت أن الله لم يستجب لك فتقول : لماذا لم يستجب الله لي ؟ . لا لقد استجاب لك ، ولكنه نحَّى عنك حمق الدعوة أو ما تجهل بأنه شر لك . فالذي تدعوه هو حكيم فيقول : " أنا سأعطيك الخير ، والخير الذي أعلمه أنا فوق الخير الذي تعلمه أنت ، ولذلك فمن الخير لك ألا تُجاب إلى هذه الدعوة " . وأضرب هذا المثل - ولله المثل الأعلى - : قد يطلب منك ابنك الصغير أن تشتري له مسدساً ، وهو يظن أن مسألة المسدس خير ، لكنك تؤخر طلبه وتقول له : فيما بعد سأشتري لك المسدس إن شاء الله ، وتماطل ولا تأتيه بالمسدس ، فهل عدم مجيئك بالمسدس له على وفق ما رأى هو منع للخير عنه ؟ إن منعك للمسدس عنه فائدة وصيانة وخير للابن . إذن ، فالخير يكون دائماً على مقدار الحكمة في تناول الأمور ، وأنت تمنع المسدس عن ابنك ، لأنك قدرت أنه طفل ويلهو مع رفاقه وقد يتعرض لأشياء تخرجه عن طوره وقد يتسبب في أن يؤذيه أحد ، وقد يؤذي هو أحداً بمثل هذا المسدس . وكذلك يكون حظك من الدعاء لا يُستجاب لأن ذلك قد يرهقك أنت … والحق سبحانه وتعالى يقول : { وَيَدْعُ ٱلإِنْسَانُ بِٱلشَّرِّ دُعَآءَهُ بِٱلْخَيْرِ وَكَانَ ٱلإِنْسَانُ عَجُولاً } [ الإسراء : 11 ] . ولذلك يقول سبحانه : { سَأُوْرِيكُمْ آيَاتِي فَلاَ تَسْتَعْجِلُونِ } [ الأنبياء : 37 ] . والعلماء يقولون : إن الدعاء إن قصدت به الذلة والعبودية يكون جميلاً ، أما الإجابة فهي إرادة الله ، وأنت إن قدرت حظك من الدعاء في الإجابة عليه فأنت لا تُقدر الأمر . إن حظك من الدعاء هو العبادة والذلة لله لأنك لا تدعو إلا إذا اعتقدت أن أسبابك كبشر لا تقدر على هذه ، ولذلك سألت من يقدر عليها ، وسألت من يملك ، ولذلك يقول الله في الحديث القدسي : " من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين " . ولنتعلم ما علّمَهُ رسول الله لعائشة أم المؤمنين . لقد سألت رسول الله إذا صادفت ليلة القدر فقالت : إن أدركتني هذه الليلة بماذا أدعو ؟ انظروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد علّم أم المؤمنين عائشة أن تدعو بمقاييس الخير الواسع فقال لها : " قولي : اللهم إنك تحب العفو فاعف عني " . ولا يوجد جمال أحسن من العفو ، ولا يوجد خير أحسن من العفو ، فلا أقول أعطني ، أعطني لأن هذا قد ينطبق عليه قول الحق : { وَيَدْعُ ٱلإِنْسَانُ بِٱلشَّرِّ دُعَآءَهُ بِٱلْخَيْرِ وَكَانَ ٱلإِنْسَانُ عَجُولاً } [ الإسراء : 11 ] . فمَنْ يقول : لقد دعوت ربي فلم يستجب لي ، نقول له : لا تكن قليل الفطنة فمن الخير لك أنك لا تُجاب إلى ما طلبت فالله يعطيك الخير في الوقت الذي يريده . وبعد ذلك يترك الحق لبعض قضايا الوجود في المجتمع أن تجيبك إلى شيء ثم يتبين لك منه الشر ، لتعلم أن قبض إجابته عنك كان هو عين الخير ، ولذلك فإن الدعاء له شروط ، فالرسول صلى الله عليه وسلم يدعونا إلى الطيب من الرزق . فقد جاء في الحديث الشريف عن أبي هريرة قوله : " ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يده إلى السماء : يا رب يا رب ومطعمه حرام وملبسه حرام وغُذِي بالحرام فأنّى يستجاب له " إن الرسول يكشف أمامنا كيف يفسد جهاز الإنسان الذي يدعو ، لذلك فعدم إجابة الدعوة إما لأن جهاز الدعوة جهاز فاسد ، وإما لأنك دعوت بشيء تظن أن فيه الخير لك لكن الله يعلم أنه ليس كذلك ، ولهذا يأخذ بيدك إلى مجال حكمته ، ويمنع عنك الأمر الذي يحمل لك الشر . وشيء آخر ، قد يحجب عنك الإجابة ، لأنه إن أعطاك ما تحب فقد أعطاك في خير الدنيا الفانية ، وهو يحبك فيُبقي لك الإجابة إلى خير الباقية ، وهذه ارتقاءات لا ينالها إلا الخاصة ، وهناك ارتقاءات أخرى تتمثل في أنه ما دام الدعاء فيه ذلة وخضوع فقد يطبق الله عليك ما جاء في الحديث القدسي : " ينزل الله تعالى في السماء الدنيا فيقول : مَنْ يدعوني فأستجيب له أو يسألني فأعطيه ؟ ثم يقول : مَنْ يقرض غير عديم ولا ظلوم " . ولأن الإنسان مرتبط بمسائل يحبها ، فما دامت لم تأت فهو يقول دائماً يا رب . وهذا الدعاء يحب الله أن يسمعه من مثل هذا العبد فيقول : " إن من عبادي من أحب دعاءهم فأنا أبتليهم ليقولوا : يا رب " إن الإنسان المؤمن لا يجعل حظه من الدعاء أن يجاب ، إنما حظه من الدعاء ما قاله الحق : { قُلْ مَا يَعْبَؤُاْ بِكُمْ رَبِّي لَوْلاَ دُعَآؤُكُمْ … } [ الفرقان : 77 ] . إن معنى الربوبية والمربوبية أن تقول دائماً : " يا رب " . واضرب هذا المثل - ولله المثل الأعلى - الأب قد يعطي ابنه مصروف اليد كل شهر ، والابن يأخذ مصروف اليد الشهري ويغيب طوال الشهر ولا يحرص على رؤية والده . لكن الأب حين يعطي مصروف اليد كل يوم ، فالابن ينتظر والده ، وعندما يتأخر الوالد قليلاً فإن الابن يقف لينتظر والده على الباب لقد ربط الأب ابنه بالحاجة ليأنس برؤياه . والحق سبحانه يضع شرطاً للاستجابة للدعاء ، وهو أن يستجيب العبد لله سبحانه وتعالى فيما دعاه إليه . عندئذ سيكون العباد أهلاً للدعاء ، ولذلك قال الحق في الحديث القدسي : " مَنْ شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين " . ومثال ذلك سيدنا إبراهيم عليه السلام حين أُلقِيَ في النار ، قال له جبريل : ألك حاجة ؟ . لم ينف أن له حاجة ، فلا يوجد استكبار على البلوى ، ولكنه قال لجبريل : أما إليك فلا ، صحيح أن له حاجة إنما ليست لجبريل ، لأنه يعلم جيداً أن نجاته من النار المطبوعة على أن تحرق وقد أُلْقِيَ فيها ، هي عملية ليست لخلق أن يتحكم فيها ولكنها قدرة لا يملكها إلا من خلق النار . فقال لجبريل : أما إليك فلا ، وعلمه بحالي يغني عن سؤالي . لذلك جاء الأمر من الحق : { قُلْنَا يٰنَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَٰماً عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ } [ الأنبياء : 69 ] . ولنتعلم من الإمام علي كرم الله وجهه حين دخل عليه إنسان يعوده وهو مريض فوجده يتأوه ، فقال له : أتتأوه وأنت أبو الحسن . قال : أنا لا أشجع على الله . إذن فقوله : { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي } [ البقرة : 186 ] تعني ضرورة الاستجابة للمنهج ، { وَلْيُؤْمِنُواْ بِي } [ البقرة : 186 ] أي أن يؤمنوا به سبحانه إلهاً حكيماً . وليس كل من يسأل يستجاب له بسؤاله نفسه لأن الألوهية تقتضي الحكمة التي تعطي كل صاحب دعوة خيراً يناسب الداعي لا بمقاييسه هو ولكن بمقاييس من يجيب الدعوة . ويذيل الحق الآية بقول : { لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ } [ البقرة : 186 ] فما معنى " يرشدون " ؟ إنه يعني الوصول إلى طريق الخير وإلي طريق الصواب . وهذه الآية جاءت بعد آية { شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيۤ أُنْزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ } [ البقرة : 185 ] كي تبين لنا أن الصفائية في الصيام تجعل الصائم أهلاً للدعاء ، وقد لا يكون حظك من هذا الدعاء الإجابة ، وإنما يكون حظك فيه العبادة ، ولكي يبين لنا الحق بعض التكليفات الإلهية للبشر فهو يأتي بهذه الآية التي يبيّن بها ما يحل لنا في رمضان . يقول الحق : { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ ٱلصِّيَامِ ٱلرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ … } .