Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 210-210)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أي ماذا ينتظرون ؟ هل ينتظرون أن تداهمهم الأمور ويجدوا أنفسهم في كون وإن أخذ زخرفة فهو يتحول إلى هشيم تذروه الرياح ، ويصير الإنسان أمام لحظة الحساب . وقوله : { هَلْ يَنظُرُونَ } [ البقرة : 210 ] مأخوذة من النظر . والنظر هو طلب الإدراك لشيء مطلق . وطلب الإدراك لأي شيء بأي شيء يُسمى نظراً . ومثال ذلك أننا نقول لأي إنسان يتكلم في أي مسألة معنوية : أليس عندك نظر ؟ أي هل تملك قوة الإدراك أم لا ؟ إذن فالنظر هو طلب الإدراك للشيء ، فإن طلبت أن ترى فهو النظر بالعين ، وإن طلبت أن تعرف وتعلم فهو النظر بالفكر وبالقلب . وأحياناً يُطلق النظر على الانتظار ، وهو طلب إدراك ما يتوقع . و { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ ٱللَّهُ } [ البقرة : 210 ] ، يعني هل ينتظرون إلا أن تأتيهم الساعة وتفاجئهم في الزمن الخاص ؟ لأنها لن تفاجئ أحداً في الزمن العام ، فسوف يكون لها آيات صغرى وآيات كبرى ، ومعنى أن لها آيات صغرى وكبرى ، أن ذلك دليل على أن الله يمهلنا لنتدارك أنفسنا ، فلا يزال فاتحاً لباب التوبة ما لم تطلع الشمس من مغربها . وساعة نسمع قوله تعالى : { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ ٱللَّهُ } [ البقرة : 210 ] نقول : ما الذي يؤجل دخولهم في الإسلام كافة ؟ ما الذي ينتظرونه ؟ تماماً كأن تقول لشخص أمامك : ماذا تنتظر ؟ كذلك الحق يحثنا على الدخول في السلم كافة وإلا فماذا تنتظرون ؟ و { إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ ٱللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ ٱلْغَمَامِ وَٱلْمَلاۤئِكَةُ } [ البقرة : 210 ] ساعة تقول : " يأتيهم الله " أو " جاء ربك " أو يأتي سبحانه بمثل في القرآن مما نعرفه في المخلوقين من الإتيان والمجيء وكالوجه واليد ، فلتأخذه في إطار " ليس كمثله شيء " فالله موجود وأنت موجود ، فهل وجودك كوجوده ؟ لا . إن الله حي وأنت حي ، أحياتك كحياته ؟ لا . والله سميع وأنت سميع ، أسمعك كسمعه ؟ لا . والله بصير وأنت بصير ، أبصرك كبصره ؟ لا . وما دمت تعتقد أن له صفات مثلها فيك ، فلتأخذها بالنسبة لله في إطار " ليس كمثله شيء " . والذين يفسرون المقصود بوجه الله أنه ذاته ، وبيده يعني قدرته ، و " يد الله فوق أيديهم " ، يعني قدرته فوق قدرتهم . نقول لهم : لماذا هذه التفسيرات ؟ إننا لو أخذناه كما قال الحق عن نفسه ولكن في إطار " ليس كمثله شيء " نكون قد سلمنا من الخطأ … لا شبهناه بخلقه ، ولا عطلنا نصّاً عن معناه . ولذلك يقول المحققون : إنك تؤمن بالله كما أعطاك صورة الإيمان به لكن في إطار لا يختلف عنه عمَّا في أنه " ليس كمثله شيء " ، وإن أمكن أن تتصور أي شيء فربك على خلاف ما تتصور ، لأن ما خطر ببالك فإن الله سبحانه على خلاف ذلك ، فبال الإنسان لا يخطر عليه إلا الصور المعلومة له ، وما دامت صوراً معلومة فهي في خلق الله وهو سبحانه لا يشبه خلقه . إن ساعة يتجلى الحق ، سيفاجئ الذين تصوروا الله على أية صورة ، أنه سبحانه على غير ما تصوروا وسيأتيهم الله بحقيقة لم تكن في رءوسهم أبداً لأنه لو كانت صورة الحق في بال البشر لكان معنى ذلك أنهم أصبحوا قادرين على تصوره ، وهو القادر لا ينقلب مقدوراً عليه أبداً ، ومن عظمته أن العقل لا يستطيع أن يتصوره مادياً . ولذلك ضرب الله لنا مثلاً يقرِّب لنا المسألة ، فقال : { وَفِيۤ أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ } [ الذاريات : 21 ] . إن الروح الموجودة في مملكة جسمنا والتي إذا خرجت من إنسان صار جيفة ، وعاد بعد ذلك إلى عناصر تتحلل وأبخرة تتصاعد ، وهذه الروح التي في داخل كل منا لم يستطع أحد تصورها ، أو تحديد مكانها أو شكلها ، هذه الروح المخلوقة لله لم نستطع أن نتصورها ، فكيف نستطيع أن نتصور الخالق الأعظم ؟ { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ ٱللَّهُ } [ البقرة : 210 ] يعني بما لم يكن في حسبانهم . هل ينتظرون حتى يروا ذلك الكون المنسق البديع قد اندثر ، والكون كله تبعثر ، والشمس كورت والنجوم انكدرت ، وكل شيء في الوجود تغير ، وبعد ذلك يفاجأون بأنهم أمام ربهم . فماذا ينتظرون ؟ . إذن يجب أن ينتهزوا الفرصة قبل أن يأتي ذلك الأمر ، وقبل أن تفلت الفرصة من أيديهم ويُنهي أمد رجوعهم إلى الله . لماذا يسوفون في أن يدخلوا في السلم كافة ؟ ما الذي ينتظرونه ؟ أينتظرون أن يتغير الله ؟ أو أن يتغير منهج الله ؟ إن ذلك لن يحدث . ونؤكد مرة أخرى أننا عندما نسمع شيئاً يتعلق بالحق فيما يكون مثله في البشر فلنأخذه في إطار " ليس كمثله شيء " . فكما أنك آمنت بأن لله ذاتاً لا كالذوات ، فيجب أن تعلم أن لله صفات ليست كالصفات ، وأن لله أفعالاً ليست كالأفعال ، فلا تجعل ذات الله مخالفة لذوات الناس ثم تأتي في الصفات التي قال الله فيها عن نفسه وتجعلها مثل صفات الناس ، فإذا كان الله يجيء فلا تتصور مجيئه أنه سيترك مكاناً إلى مكان ، فهو سبحانه يكون في مكان بما لا يخلو عنه مكان ، تلك هي العظمة . فإذا قيل : { إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ ٱللَّهُ } [ البقرة : 210 ] فلا تظن أن إتيانه كإتيانك لأن ذاته ليست كذاتك ، ولأن الناس في اختلاف درجاتهم تختلف أفعالهم ، فإذا كان الناس يختلفون في الأفعال باختلاف منازلهم ، وفي الصفات باختلاف منازلهم ، فالحق منزه عن كل شيء وكل تصور ، ولنأخذ كل شيء يتعلق به في إطار " ليس كمثله شيء " ففعل ربك يختلف عن فعلك . وإياك أن تُخضع فعله لقانون فعلك لأن فعلك يحتاج إلى علاج وإلى زمن يختلف باختلاف طاقتك وباختلاف قدرتك ، والله لا يفعل الأشياء بعلاج بحيث تأخذ منه زمناً ولكنه يقول : " كن فيكون " . كأن الحق سبحانه وتعالى يريد أن يعطينا صورة عن الإنجاز الذي لا دخل لاختيار البشر في أن يخالفوا فيه فيقول : ساعة يجيء الأمر انخلعت كل قدرة لمخلوق عن ذلك الأمر وأصبح الأمر لله وحده . و { فِي ظُلَلٍ مِّنَ ٱلْغَمَامِ } [ البقرة : 210 ] . فيه شيء يظلك وفيه شيء تستظل به ، والشيء الذي يظلك لا يكون لك ولاية عليه في أن يظلك إلاّ أن ترى أين ظله وتذهب إليه ، وشيء آخر تستطيع أنت التصرف فيه كالمظلة تفتحها في أي مكان تريد . وكلمة " ظلل " معناها أنها تستر عنك مصدر الضوء ولذلك حينما أراد الحق سبحانه وتعالى أن يصور لنا ذلك قال : { وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَّوْجٌ كَٱلظُّلَلِ دَعَوُاْ ٱللَّهَ … } [ لقمان : 32 ] . أي جاءهم الفزع الأكبر كالظلة محيطاً بهم ، فكأن الله يريد أن يخبرنا أن الكون سيندثر وسيأتيك الأمر المفزع ، الأمر المفجع ، والمؤمن كان يتوقعه ، وسيدخل عليه برداً وسلاماً لأنه ما آمن من أجله ، لكن الكافر سيصاب بالفزع الأكبر لأنه فوجىء بشيء لم يكن في حسابه . وقارن بين مجيء الأمر لمن يؤمله ، وبين مجيء الأمر لمن لا يؤمله . إن الحق سبحانه وتعالى قال : ساعة تجيء هذه الظلل والملائكة فقد قضى الأمر . وعندما تسمع " قضي الأمر " فاعلم أن المراد أن الفرصة أفلتت من أيدي الناس ، فمن لم يرجع إلى ربه قبل الآن فليست له فرصة أن يرجع . ومثال ذلك ما قاله الحق في قصة نوح : { وَقُضِيَ ٱلأَمْرُ وَٱسْتَوَتْ عَلَى ٱلْجُودِيِّ … } [ هود : 44 ] . أي انتهى كل شيء ، ولم يعد للناس قدرة على أن يرجعوا عما كانوا فيه فالله يقول : ماذا تنتظرون ؟ هل تنتظرون حتى يأتيكم هذا اليوم ؟ لابد أن تنتهزوا الفرصة لترجعوا إلى ربكم قبل أن تفلت منكم فرصة العودة . " وإلى الله تَرجع الأمور " ، ومرة تأتي " وإلى الله تُرجع الأمور " . وفيه فرق بين " تَرجع الأمور " بفتح التاء وبين " تُرجع الأمور " بضم التاء . فكأن الأمور مندفعة بذاتها ، ومرة تساق إلى الله . إن الراغب سيرجع إلى ربه بنفسه لأنه ذاهب إلى الخير الذي ينتظره ، أما غير الراغب والذي كان لا يرجو لقاء ربه فَسَيُرجَع بالرغم عنه ، تأتي قوة أخرى تُرجعه ، فمن لم يجيء رغَباً يأتي رهَباً . ويقول الحق بعد ذلك : { سَلْ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ … } .