Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 222-222)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

حين تقرأ { هُوَ أَذًى } [ البقرة : 222 ] فقد أخذت الحكم ممن يُؤمنُ على الأحكام ، ولا تناقش المسألة ، مهما قال الطب من تفسيرات وتعليلات وأسباب نقول له : لا ، الذي خلق قال : { هُوَ أَذًى } [ البقرة : 222 ] . والمحيض يطلق على الدم ، ويراد به - أيضاً - مكان الحيض ، ويراد به زمان الحيض . وقوله تعالى عن المحيض إنه أذى يهيئ الذهن لأن يتلقى حكماً في هذا الأذى ، وبذلك يستعد الذهن للحظر الذي سيأتي به الحكم . وقد جاء الحكم بالحظر والمنع بعد أن سبقت حيثيته . إن الحق سبحانه وتعالى وهو الخالق أراد أن تكون عملية الحيض في المرأة عملية كيماوية ضرورية لحياتها وحياة الإنجاب . وأمر الرجال أن يعتزلوا النساء وهن حوائض لأن المحيض أذى لهم . لكن هل دم الحيض أذى للرجال أو للنساء ؟ إنه أذى للرجال والنساء معاً لأن الآية أطلقت الأذى ، ولم تحدد من المقصود به . والذي يدل على ذلك أن الحيض يعطي قذارة للرجل في مكان حساس هو موضع الإنزال عنده ، فإذا وصلت إليه الميكروبات تصيبه بأمراض خطيرة . والذي يحدث أن الحق قد خلق رحم المرأة وفي مبيضيها عدد محدد معروف له وحده سبحانه وتعالى من البويضات ، وعندما يفرز أحد المبيضين البويضة فقد لا يتم تلقيح البويضة ، فإن بطانة الرحم المكون من أنسجة دموية تقل فيها نسبة الهرمونات التي تثبت بطانة الرحم ، وعندما تقل نسبة الهرمونات يحدث الحيض . والحيض هو دم يحتوي على أنسجة غير حية ، وتصبح منطقة المهبل والرحم في حالة تهيج ، لأن منطقة المهبل والرحم حساسة جداً لنمو الميكروبات المسببة للإلتهابات سواء للمرأة ، أو للرجل إن جامع زوجته في فترة الحيض . والحيض يصيب المرأة بأذى في قوتها وجسدها بدليل أن الله رخص لها ألاّ تصوم وألاّ تصلي إذن فالمسألة منهكة ومتعبة لها ، فلا يجوز أن يرهقها الرجل بأكثر مما هي عليه . إذن فقوله تعالى : { هُوَ أَذًى } [ البقرة : 222 ] تعميم بأن الأذى يصيب الرجل والمرأة . وبعد ذلك بيّن الحق أن كلمة " أذى " حيثية تتطلب حكماً يرد ، إما بالإباحة وإما بالحظر ، وما دام هو أذى فلابد أن يكون حظراً . يقول عز وجل : { فَٱعْتَزِلُواْ ٱلنِّسَآءَ فِي ٱلْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ } [ البقرة : 222 ] والذي يقول : إنّ المحيض هو مكان الحيض يبني قوله بأن المحرم هو المباشرة الجنسية ، لكن ما فوق السرة وما فوق الملابس فهو مباح ، فقوله الحق : { وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ } أي لا تأتوهن في المكان الذي يأتي منه الأذى وهو دم الحيض . { حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُ } [ البقرة : 222 ] . و " يطهرن " من الطهور مصدر طَهَر يطهر ، وعندما نتأمل قوله : { فَإِذَا تَطَهَّرْنَ } [ البقرة : 222 ] نجد أنه لم يقل : " فإذا طهرن " ، فما الفرق بين " طهر " و " تطهر " ؟ إنّ " يطهرن " معناها امتنع عنهن الحيض ، و " تطهرن " يعني اغتسلن من الحيض ولذلك نشأ خلاف بين العلماء ، هل بمجرد انتهاء مدة الحيض وانقطاع الدم يمكن أن يباشر الرجل زوجته ، أم لابد من الانتظار حتى تتطهر المرأة بالاغتسال ؟ . وخروجا من الخلاف نقول : إن قوله الحق : " تطهرن " يعني اغتسلن فلا مباشرة قبل الاغتسال . ومن عجائب ألفاظ القرآن أن الكلمات تؤثر في استنباط الحكم ، ومثال ذلك قوله تعالى : { إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ * لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ ٱلْمُطَهَّرُونَ } [ الواقعة : 77 - 79 ] . ما المقصود إذن ؟ هل المقصود أن القرآن لا يمسكه إلا الملائكة الذين طهرهم الله من الخبث ، أو أن للبشر أيضاً حق الإمساك بالمصحف لأنهم يتطهرون ؟ بعض العلماء قال : إن المسألة لابد أن ندخلها في عموم الطهارة ، فيكون معنى " إلا المطهرون " أي الذين طهرهم مَن شرع لهم التطهير ولذلك فالمسلم حين يغتسل أو يتوضأ يكون قد حدث له أمران : التطهر والطهر . فالتطهر بالفعل هو الوضوء أو الاغتسال ، والطهر بتشريع من الله ، فكما أن الله طهر الملائكة أصلاً فقد طهرنا معشر الإنس تشريعاً ، وبذلك نفهم الآية على إطلاقها ونرفع الخلاف . وقول الحق في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها : " حتى يُطْهَرن " أي حتى يأذن الله لهن بالطهر ، ثم يغتسلن استجابة لتشريع الله لهن بالتطهر . { فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُ } [ البقرة : 222 ] يعني في الأماكن الحلال . { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ ٱلْمُتَطَهِّرِينَ } [ البقرة : 222 ] وأراد الحق تبارك وتعالى أن يدخل عليك أنسا ، فكما أنه طلب منك أن تتطهر مادياً فهو سبحانه قبل أيضاً منك أن تتطهر معنوياً بالتوبة ، لذلك جاء بالأمر حسياً ومعنوياً . وبعد ذلك جاء الحق سبحانه وتعالى بحكم جديد ، هذا الحكم ينهي إشكالاً أثاره اليهود . وقد كان اليهود يثيرون أن الرجل إذا أتى امرأته من خلف ولو في قُبلها - بضم القاف - جاء الولد أحول . و " القُبل " هو مكان الإتيان ، وليس معناه الإتيان في الدبر والعياذ بالله كما كان يفعل قوم لوط . ولّما كان هذا الإشكال الذي أثاره اليهود لا أساس له من الصحة فقد أراد الحق أن يرد على هذه المسألة فقال : { نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ وَقَدِّمُواْ لأَنْفُسِكُمْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ … } .