Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 226-226)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يؤلون : أي يحلفون ألا يقربوا أزواجهن في العملية المخصوصة ، ويريد الرجل أحيانا أن يؤدب زوجته فيهجرها في الفراش بلا يمين ، وبدون أن يحلف . وبعض الناس لا يستطيعون أن يمتنعوا عن نسائهم من تلقاء أنفسهم ، فيحلفون ألا يقربوهن حتى يكون اليمين مانعاً ومشجعاً له على ذلك . وكان هذا الأمر مألوفاً عند العرب قبل الإسلام . كان الرجل يمتنع عن مباشرة زوجته في الفراش أي فترة من الزمن يريدها ، وبعضهم كان يحلف ألا يقرب زوجته زمناً محدداً ، وقبل أن ينتهي هذا الزمن يحلف يميناً آخر ليزيد المدة فترة أخرى ، وهكذا حتى أصبحت المسألة عملية إذلال للمرأة ، وإعضالاً لها ، وامتناعاً عن أداء حقها في المعاشرة الزوجية . وكان ذلك إهداراً لحق الزوجة في الاستمتاع بزوجها . ويريد الحق سبحانه وتعالى أن ينهي هذه المسألة ، وهو سبحانه لا ينهيها لحساب طرف على طرف ، وإنما بعدل الخالق الحكيم الرحيم بعباده . وكان من الممكن أن يجرمها ويحرمها نهائياً ويمنع الناس منها . لكنه سبحانه عليم بخفايا وطبيعة النفوس البشرية ، فقد ترى امرأة أن تستغل إقبال الرجل عليها ، إما لجمال فيها أو لتوقد شهوة الرجل ، فتحاول أن تستذله لذلك أعطى الله للرجل الحق في أن يمتنع عن زوجته أربعة أشهر ، أما أكثر من ذلك فالمرأة لا تطيق أن يمتنع زوجها عنها . { لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَآءُو فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [ البقرة : 226 ] والإسلام يريد أن يبني الحياة الزوجية على أساس واقعي لا على أفكار مجنحة ومجحفة لا تثبت أمام الواقع ، فهو يعترف بالميول فيعليها ولكن لا يهدمها ، ويعترف بالغرائز فلا يكتمها ولكن يضبطها . وهناك فرق بين الضبط والكبت فإن الكبت يترك الفرصة للداء ليستشري خفياً حتى يتفجر في نوازع النفس الإنسانية تفجيراً على غير ميعاد وبدون احتياط ، لكن الانضباط يعترف بالغريزة ويعترف بالميول ، ويحاول فقط أن يهديها ولا يهدمها . ويخضع البشر في كل أعمالهم لهذه النظرية حتى في صناعتهم ، فالذين يصنعون المراجل البخارية مثلاً يجعلون في تلك المراجل التي يمكن أن يضغط فيها الغاز ضغطاً فيفجرها يجعلون لها متنفساً حتى يمكن أن يخفف الضغط الزائد إن وُجد ، وقد يصممون داخلها نظاماً آلياً لا يتدخل فيه العقل بل تحكم الآلة نفسها . والحق سبحانه وتعالى وضع نظاماً واضحاً في خلقه الذين خلقهم ، وشرع لهم تكوين الأسرة على أساس سليم . وبنى الإسلام هذا النظام أولاً على سلامة العقيدة ونصاعتها ووحدتها حتى لا تتوزع المؤثرات في مكونات الأسرة ، ولذلك منع المسلم من أن يتزوج من مشركة ، وحرم على المسلمة أن تتزوج مشركاً . وبعد ذلك علمنا معنى الالتقاء الغريزي بين الزوجين . ولقد أراد الحق سبحانه وتعالى ألا يطلق العنان للغريزة في كل زمان التواجد الزوجي ، فجعل المحيض فترة يحرم فيها الجماع وقال : { فَٱعْتَزِلُواْ ٱلنِّسَآءَ فِي ٱلْمَحِيضِ } [ البقرة : 222 ] . وهكذا يضبط الحق العلاقة الجنسية بين الزوجين ضبطاً سليماً نظيفاً . الحق سبحانه وتعالى يعلم أن النفس البشرية ذات أغيار لأن الإنسان حادث له بداية ونهاية ، وكل ما يكون حادثاً لابد أن يطرأ عليه تغيير . فإذا ما التقى الرجل بالمرأة . كان لابد من أن يتحدد هذا اللقاء على ضوء من منهج الله لأن اللقاء إن تم على منهج البشر وعواطفهم كان المصير إلى الفشل لأن مناهج البشر متغيرة وموقوتة ، ولذلك يجب أن يكون لقاء الرجل بالمرأة على ضوء معايير الله . فالله يعلم أن للنفس نوازع ومتغيرات ، ومن الجائز جداً أن يحدث خلاف بين الزوجين ، فيجعل الله سبحانه وتعالى متنفساً يتنفس فيه الزوج للتأديب الذي ينشد التهذيب والإبقاء ، فشرع للرجل إن رأى في زوجته إذلالا له بجمالها وبحسنها ، وقد يكون رجل له مزاج خاص ورغبة جامحة في هذه العملية لذلك شرع الله له فترة من الفترات أن يحلف ألا يقرب امرأته ، ولم يجعل الله تلك الفترة مطلقة ، إنما قيدها بالحلف حتى يكون الأمر مضبوطاً . فالحق يريد العلاج لا القسوة . فلو لم يكن الرجل مضبوطاً بيمين فقد يُغير رأيه بأن يأتي زوجته ، ولذلك قال الحق : { لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ } [ البقرة : 226 ] أي إنَّ لك أيها الزوج أن تحلف ألا تقرب زوجتك أربعة أشهر ، لكن إن زادت المدة على أربعة أشهر فهي لن تكون تأديباً بل إضراراً . والخالق عز وجل يريد أن يؤدب لا أن يضر . فإذا ما تجاوزت المدة يكون الزوج متعدياً ولا حق له . إن الحق سبحانه وتعالى هو خالق الميول والعواطف والغرائز ويقنن لها التقنين السليم . إنه عز وجل يترك لنا ما يدلنا على ذلك ، ففي خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، يمر عمر في جوف الليل فيسمع امرأة تقول الأبيات المشهورة : @ تطاول هذه الليل واسود جانبه وأرقنـي ألاَّ خلـيـل ألاعـبـه فوالله لولا الله تخشـى عواقبه لزلزل مـن هذا السرير جـوانبه @@ معنى ذلك أن المرأة تعاني من الوحشة إلى الرجل ، وتوشك المعاناة أن تدفعها إلى سلوك غير قويم ، لكن تقوى الله هي التي تمنعها من الانحراف . ومن الجائز أن نتساءل كيف سمع عمر هذه المرأة وهو يسير في الشارع ، وأقول : إن المرأة التي تأتي عندها هذه الأحاسيس تترنم في سكون الليل ، وعندما يسكن الليل لا تكون فيه ضجة فيسهل سماع ما يقال داخل البيوت ، ألم يسمع عمر كلام المرأة التي تجادل ابنتها في غش اللبن ؟ ولما سمع الفاروق كلام هذه المرأة التي تعاني من وحشة إلى الرجل ، ذهب بفطرته السليمة وأَلمعيَّته المشرقة إلى ابنته حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها ، وقال لها : كم تصبر المرأة على بعد الرجل ، فقالت : من ستة شهور إلى أربعة أشهر . فسن عمر سنةً أصبحت دستوراً فيما بعد ، وهي ألا يبعد جندي من جنود المسلمين عن أهله أربعة أشهر . إذن فقول الحق سبحانه وتعالى : { لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ } [ البقرة : 226 ] سبق حادثة عمر ، ثم ترك الحق لواقع الحياة أن يبين لنا صدق ما قننه لنا ، ويأتي عمر ليستنبط الحكم من واقع الحياة . " فإن فاءوا " أي فإن رجع الرجل ، وأراد أن يقترب من زوجته قبل مضي الأربعة أشهر فللرجل أن يكفر عن يمينه وتنتهي المسألة . ولكن إذا مرت الشهور الأربعة وتجاوزت المقاطعة مدتها يؤمر الزوج بالرجوع عن اليمين أو بالطلاق ، فإن امتنع الزوج طلقها الحاكم ، وقال بعض الفقهاء : إنّ مضي مدة الأربعة أشهر دون أن يرجع ويفيء يجعلها مطلقة طلقة واحدة بائنة . ولذلك يقول الحق : { وَإِنْ عَزَمُواْ ٱلطَّلاَقَ … } .