Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 252-252)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ونعرف أن " تلك " إشارة يخاطب الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم ، ويشير إلى الآيات التي سبقت والتي تدل على عظمة الحق وقيومته ، فقد قال الحق من قبل : { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ ٱللَّهُ مُوتُواْ ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ } [ البقرة : 243 ] . وساعة طلبوا أن يقاتلوا ، وأن يبعث لهم ملكاً ، وبعثه لهم ، وبعث لهم التابوت فيه سكينة ، أليست هذه آيات أخرى ؟ ومن بعد ذلك أراد الحق أن يأتي مقتل جالوت العملاق الضخم على يد داود الصبي الصغير . أليست هذه آية ؟ وآية أخرى هي أن جماعة قليلة - بإقرارهم - حيث قالوا : { كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ ٱللَّهِ } [ البقرة : 249 ] هذه الجماعة القليلة تدخل المعركة وتهزم الكثرة ، أليست هذه آية ؟ وهل الرسول صلى الله عليه وسلم كان يعرف الآيات التي سبقت رسالته ؟ لا ، ولكنها من إخبار الله له مع إقرار الجميع ، وخاصة الذين كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم بأنه لا قرأ ولا كتب ولا جلس إلى معلم ، ولا أحد قال له شيئاً حتى الرحلة التي ذهب فيها للتجارة كان يصحبه فيها أناس غيره ، ولو كانوا قد رأوه جالساً إلى أحد يعلمه شيئاً ، لأذاعوا أن محمداً قد جلس مع فلان ، وتعلم منه كذا وكذا . ولكن هذا لم يقله أحد لأنه لم يحدث أصلاً ، ولذلك كان إخباره صلى الله عليه وسلم بما يعلمونه هم عندهم هو بعضاً من أسرار معجزته ، إنه قد عرف الأخبار السابقة رغم أنه لم يقرأ ولم يكتب ولم يتلق علماً من أحد . وقد تماحك بعض المشركين وقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجلس إلى فتى عند المروة يعلمه هذه الأخبار ، فنزل القول الحق يدحض هذا الافتراء : { وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ ٱلَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ } [ النحل : 103 ] . لقد أثبت الحق أنها حجة باطلة ، وزعم كاذب من ناحيتهم . لأن الذي ادّعوا أنه علم الرسول كان أعجمياً . ويقول الحق سبحانه لمحمد صلى الله عليه وسلم : { تِلْكَ آيَاتُ ٱللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِٱلْحَقِّ } [ البقرة : 252 ] . إن كلمة " آيات الله " تعني الأشياء العجيبة ، و " نتلوها " أي نجعل كلمة بعد كلمة ، وهي من " ولي " أي جاء بعده بلا فاصل . " نتلوها عليك بالحق " والحق هو الشيء الذي وقع موقعه حيث لا يتغير عنه ، فلا يتضارب أبداً . فهب أن حادثة وقعت أمامك ، ثم سُئلت عنها ألف مرة في طيلة حياتك ستجد أن جوابك لن يختلف عليها أبداً لأنك تحكي واقعاً رأيته ، لكن لو كانت الحكاية كذباً فستجد أن روايتك لها في المرة الثانية تتغير لأنك لا تذكر ماذا قلت في المرة الأولى لأنك لا تحكي عن واقع يأخذك وتلتزم به ، وكذلك الحق لا يتغير ، ولا يتضارب ، ولا يتعارض . { تِلْكَ آيَاتُ ٱللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِٱلْحَقِّ } [ البقرة : 252 ] وما دام الحق سبحانه هو الذي يقولها ، فسيقولها لك حقيقة ، وعندئذ يعرف الآخرون أنك عرفت ما عندهم مما يخفونه في كتبهم يقوله بعضهم لبعض ، هنا يعرفون أنك من المرسلين ، ولذلك نحن نجد في " ماكانات القرآن " التي يقول فيها تعالى : " ما كُنت " ، " ما كُنت " ، و " ما كنت " ومثل قوله الحق : { وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ ٱلْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَى ٱلأَمْرَ وَمَا كنتَ مِنَ ٱلشَّاهِدِينَ } [ القصص : 44 ] . أي ما كنت يا محمد حاضراً مع موسى في المكان الغربي من الجبل حين عهد الله إليه بأمر الرسالة ، ولم تكن معاصراً لموسى ولا مشاهداً تبليغه للرسالة فكيف يكذبك قومك وأنت تتلو عليهم أنباء السابقين ؟ ومثال ذلك قوله الحق : { ذٰلِكَ مِنْ أَنَبَآءِ ٱلْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ } [ آل عمران : 44 ] . إن الذي رواه القرآن لك يا محمد من الأخبار الجليلة عمن اصطفاهم الله هي من الغيب الذي أوحى الله به إليك . وما كنت حاضراً معهم وهم يقترعون بالسهام ليعلم بالقرعة من يقوم بشئون مريم ، وما كنت معهم وهم يختصمون في نيل هذا الشرف النبيل . ومثال ذلك قوله الحق سبحانه : { وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ ٱلطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَـٰكِن رَّحْمَةً مِّن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } [ القصص : 46 ] . أي ما كنت أيها الرسول حاضراً في جانب الطور حين نادينا موسى لما أتى الميقات وكلمه ربه وناجاه ، ولكن الله أعلمك بهذا عن طريق الوحي رحمة بك وبأمتك ، ولتبلغه لقوم لم يأتهم رسول من قبلك لعلهم يتذكرون ويؤمنون . ومثال ذلك قوله الحق : { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا ٱلْكِتَابُ وَلاَ ٱلإِيمَانُ وَلَـٰكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَآءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [ الشورى : 52 ] . إن القرآن هو وحي منزل من عند الله ، يُعرِّف المؤمنين النور إلى الهداية وتكاليف الحق ، ويهدي من اختار الهدى ، وإنك يا محمد لتدعو بهذا القرآن إلى صراط مستقيم . إن كل " ما كنت " في القرآن الكريم هي دليل على أن ما أخبرك به جبريل رسولاً من عند الله إليك ، وحاملاً للوحي من الله هو الحق فتعلمه أنت يا محمد بطريقة خاصة وعلى نهج مخصوص ، رغم أنك لم تقرأ كتاباً ولم تجلس إلى معلم . وما تخبرهم به من آيات هي موافقة لما معهم ، وكان من الواجب أن يقولوا إن الذي علمك هذا هو الله سبحانه وتعالى ، وكان يجب أن يقروا ويشهدوا بأنك من المرسلين . وبعد ذلك يقول الحق سبحانه : { تِلْكَ ٱلرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ … } .