Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 257-257)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
إن الله وليّ الذين آمنوا ما دام { فَمَنْ يَكْفُرْ بِٱلطَّاغُوتِ وَيْؤْمِن بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱسْتَمْسَكَ بِٱلْعُرْوَةِ ٱلْوُثْقَىٰ } [ البقرة : 256 ] وكأن الحق يشرح ذلك بهذه الآية ، فما دام العبد سيتصل بالعروة الوثقى ويستمسك بها ، وهذه ليست لها انفصام فقد صارت ولايته لله ، وكلمة " وليّ " إذا سمعتها هي من " وَلِيَ " أي : جاء الشيء بعد الشيء من غير فاصل هذا يليه هذا ، وما دام يليه من غير فاصل فهو الأقرب له ، وما دام هو الأقرب له إذن فهو أول من يفزع لينقذ ، فقد يسير معي إنسان فإذا التوت قدمي أناديه لأنه الأقرب مني ، وهو الذي سينجدني . فلا يوجد فاصل ، وما دام لا يوجد فاصل فهو أول من تناديه ، وأول من يفزع إليك بدون أن تصرخ له لأن من معك لا تقل له : خذ بيدي ، إنه من نفسه يأخذ بيدك بلا شعور ، إذن فكلمة { ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [ البقرة : 257 ] إذا نظرت إليها وجدتها تنسجم أيضا مع " سميع وعليم " ، فلا يريدك أن تناديه لأن هناك من تصرخ عليه لينجدك ، وهو لن تصرخ عليه لأنه سميع وعليم ، { ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [ البقرة : 257 ] . وكلمة " وليّ " أيضاً منها مولى ومنها وال ، { وَلِيُّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [ البقرة : 257 ] أي هو الذي يتولى شئونهم وأمورهم ، كما تقول : الوالي الذي تولَّى أمر الرعيّة ، وكلمة " مَوْلَى " مرة تُطلق على السيد ، ومرة تُطلق على خادمه ، ولذلك يقول الشاعر : @ مولاك يا مولاي طالب حاجة @@ أي عبدك يا سيدي طالب حاجة ، فهي تستعمل في معان مترابطة لأننا قلنا : " وَلِيّ " تعني القريب ، فإذا كان العبد في حاجة إلى شيء فَمَن أول من ينصره ؟ سيده ، وإذا نادى السيد ، فمن أول مجيب له ؟ إنه خادمه ، إذن فيُطلق على السيد ويُطلق على العبد ، ويُطلق على الوالي ، { اللهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [ البقرة : 257 ] . وقوله الحق : " الذين آمنوا " يعني جماعة فيها أفراد كثيرة ، كأنه يريد من الذين آمنوا أن يجعلوا إيمانهم شيئاً واحداً ، وليسوا متعددين ، أو أن ولاية الله لكل فرد على حدة تكون ولاية لجميع المؤمنين ، وما داموا مؤمنين فلا تضارب في الولايات لأنهم كلهم صادرون وفاعلون عن إيمان واحد ، ومنهج واحد ، وعن قول واحد ، وعن فعل واحد ، وعن حركة واحدة . وكيف يكون { ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [ البقرة : 257 ] ؟ إنه وليهم أي ناصرهم . ومحبهم ومجيبهم ومعينهم ، هو وليهم بما أوضح لهم من الأدلة على الإيمان ، هل هناك حُب أكثر من هذا ؟ هل تركنا لنبحث عن الأدلة أو أنه لفتنا إلى الأدلة ؟ وتلك هي ولاية من ولايات الله . فقبل أن نؤمن أوجد لنا الأدلة ، وعندما آمنا وَالانَا بالمعونة ، وإن حاربنا خصومنا يكن معنا ، وبعد ذلك تستمر الولاية إلى أن يعطينا الجزاء الأوفى في الآخرة ، إذن فهو وليّ في كل المراحل ، بالأدلة قبل الإيمان وليّ . ومع الإيمان استصحاباً يكون ناصرنا على خصومنا وخصومه . وفي الآخرة هو وليّنا بالمحبة والعطاء ويعطينا عطاءً غير محدود ، إذن فولايته لا تنتهي . { ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُمْ مِّنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ } [ البقرة : 257 ] إنه سبحانه يخرجهم من ظلمات الجهل إلى نور الإيمان لأن الظلمات عادة تنطمس فيها المرائي ، فلا يمكن أن ترى شيئاً إلا إذا كان هناك ضوء يبعث لك من المرئي أي أشعة تصل إليك ، فإن كانت هناك ظلمة فمعنى ذلك أنه لا يأتي من الأشياء أشعة فلا تراها ، وعندما يأتي النور فأنت تستبين الأشياء ، هذه في الأمور المُحسَّة وكذلك في مسائل القيم ، { يُخْرِجُهُمْ مِّنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَوْلِيَآؤُهُمُ ٱلطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِّنَ ٱلنُّورِ إِلَى ٱلظُّلُمَاتِ } [ البقرة : 257 ] . هل هم دخلوا النور يا ربنا ؟ لنا أن نفهم أن المقصود هنا هم المرتدون الذين وسوس لهم الشيطان فأدخلهم في ظلمات الكفر بعد أن كانوا مؤمنين ، أو { يُخْرِجُونَهُمْ مِّنَ ٱلنُّورِ إِلَى ٱلظُّلُمَاتِ } [ البقرة : 257 ] ، أي يحولون بينهم وبين النور فيمنعونهم من الإيمان كما يقول واحد : أما دريت أن أبي أخرجني من ميراثه ؟ إن معنى ذلك أنه كان له الحق في التوريث ، وأخرجه والده من الميراث . وهذا ينطبق على الذين تركوا الإيمان ، وفضلوا الظلمات . والقرآن يوضح أمر الخروج من الظلمة إلى النور ومن الكفر إلى الإيمان في مواقع أخرى ، كقول سيدنا يوسف للشابين اللذين كانا معه في السجن : { وَدَخَلَ مَعَهُ ٱلسِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَآ إِنِّيۤ أَرَانِيۤ أَعْصِرُ خَمْراً وَقَالَ ٱلآخَرُ إِنِّي أَرَانِيۤ أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ ٱلطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ ٱلْمُحْسِنِينَ * قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيَكُمَا ذٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّيۤ إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ } [ يوسف : 36 - 37 ] . فهل كان سيدنا يوسف في ملة القوم الكافرين ثم تركها ؟ لا ، إنه لم يدخل أساساً إلى ملة القوم الذين لا يؤمنون بالله . إن هذه الملة كانت أمامه ، لكنه تركها ورفض الدخول فيها وتمسك بملة إبراهيم عليه السلام . وفي التعبير ما فيه من تأكيد حرية الاختيار . وهناك آية أخرى يقول فيها الحق : { وَٱللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ ٱلْعُمُرِ لِكَيْ لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ } [ النحل : 70 ] . إن معنى الآية أن الله قد خلقنا جميعاً ، وقدر لكل منا أجلاً ، فمنا من يموت صغيراً ، ومنا من يبلغ أرذل العمر ، فيعود إلى الضعف وتقل خلايا نشاطه فلا يعلم ما كان يعلمه . وليس معنى الآية أن الإنسان يوجد في أرذل العمر ثم يرد إلى الطفولة . وعندما يقول الحق : { وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَوْلِيَآؤُهُمُ ٱلطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِّنَ ٱلنُّورِ إِلَى ٱلظُّلُمَاتِ } [ البقرة : 257 ] فالحق أورد هنا كلمة أولياء عن الطاغوت ، لأن الطاغوت كما قلنا : ألوان متعددة ، الشيطان طاغوت ، والدجال طاغوت ، والساحر طاغوت . وجاء الحق بالخبر مفرداً وهو الطاغوت لمبتدأ جمع وهو أولياء ، ووصف هؤلاء الأولياء للطاغوت بأنهم يخرجون الذين كفروا من النور إلى الظلمات . لقد أفرد الله الطاغوت وأورد بالجمع الأفراد الذين ينقلهم الطاغوت إلى الظلمات . ولماذا لم يقل الله هنا : " طواغيت " بدلاً من طاغوت ؟ إن الطاغوت كلمة تتم معاملتها هنا كما نقول : " فلان عدل " أو " الرجلان عدل " أو " الرجال عدل " . وعلى هذا القياس جاءت كلمة طاغوت ، فالشيطان والدجال والكاهن والساحر والحاكم بغير أمر الله كلهم طاغوت ، لقد التزمت الآية بالإفراد والتذكير . فالطاغوت تُطلق على الواحد أو الاثنين أو الجماعة ، أي أن المُخرجين من النور إلى الظلمات هم أولياء الطاغوت ، أو من اتخذوا الطواغيت أولياء ، وهم إلى النار خالدون . والدخول للنار يكون للطواغيت ويكون لأتباع الطواغيت ، كما يقول الحق في كتابه : { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ } [ الأنبياء : 98 ] . إن أتباع الطواغيت ، والطواغيت في نار جهنم . وقانا الله وإياكم عذابها . ويريد الحق سبحانه وتعالى أن يعطينا صورة واقعية في الكون من قوله : { ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [ البقرة : 257 ] ، فهو الولي ، وهو الناصر فيقول سبحانه : { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ ٱللَّهُ ٱلْمُلْكَ … } .