Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 33-33)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
فالحق سبحانه وتعالى أراد أن يرد على ملاحظة الملائكة بالنسبة لخلق آدم وخلافته في الأرض ، وأن الله سبحانه وتعالى في حكمته ما يخفي عليهم . ولذلك فهم لم يدركوا هذه الحكمة ، وقبل أن يخلق الله آدم ويجعله خليفة في الأرض كان على علم بكل ما سيحدث من آدم وذريته حتى قيام الساعة . وبعد قيام الساعة . أما الملائكة ، فهم لم يكونوا على علم بذلك . لأن هذا ليس عملهم . وكما قلنا : كُلُّ ميسَّر لما خُلِقَ له . ولذلك أراد الحق سبحانه وتعالى أن يعطي للملائكة الصورة بأنكم قد حكمتم على آدم إما من تجربة لجنس آخر عاش في الأرض ، وإما من ضَرْبٍ بالغيب ، والمقياسان غير صحيحين . ولذلك ميَّزَ الله سبحانه في هذه اللحظة آدم على الملائكة فعلَّمه أسماء المسميات كلها ، ثم طلب من الملائكة أن يخبروه بهذه الأسماء . ولكنهم قالوا : إن العلم من الله وحده . وبما أن الله تعالى لم يعلّمهم الأسماء فإنهم لا يعرفونها . فطلب الله من آدم أن يخبرهم بأسماء هذه المسميات فأخبرهم بها . ولكنه لم يخبرهم بها بذاته ولا من قانونه . ولا بعلم عَلِمَه وحده . ولكنه أخبرهم بتعليم الله سبحانه وتعالى له . وفي ذلك يقول الله تعالى : { نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَآءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ } [ يوسف : 76 ] . إذن ، فَعِلْمُ آدم للأسماء كان بمشيئة الله سبحانه وتعالى . وهذه المشيئة وحدها هي التي جعلت آدم في ذلك الوقت يعلم ما لا تعلمه الملائكة … وهنا رَدَّ الحق سبحانه وتعالى على قول الملائكة بأن آدم سيفسد في الأرض ، فذكَّرهم الله تعالى بقوله : { أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ إِنِيۤ أَعْلَمُ غَيْبَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ … } [ البقرة : 33 ] أي أن الله سبحانه وتعالى وحده هو الذي يعلم الغيب ، والغيب هنا هو الغيب المطلق ، فهناك غيب نسبي . قد تسرق حافظة نقودي مثلاً وأنا لا أعلم من الذي سرقها فهو غيب عني . ولكنه معلوم للذي سرق ، وللذي سهَّل له طريقة السرقة بأن حرس له الطريق حتى يسرق دون أن يفاجئه أحد . وقد يكون قد صدر قرار هام بالنسبة لي كترقية أو فصل أو حكم . لم يصلني . فأنا لا أعلمه . ولكن الذي وَقَّع القرار أو الحكم يعلمه . هذا الغيب النسبي ، لا يعتبر غيباً . ولكن الغيب المطلق هو الذي ليس له مقدمات تنبئ عما سيحدث … هذا الغيب الذي يفاجئك ، ويفاجئ كل من حولك بلا مقدمات … هذا الغيب لا يعلمه إلا الله وحده . وقوله تعالى : { وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } [ البقرة : 33 ] … تعطينا هنا وقفة . هل الملائكة قالوا لله سبحانه وتعالى : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ ٱلدِّمَآءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ … } [ البقرة : 30 ] هل قالها الملائكة فعلاً وجهراً ، أم أنهم قالوها في أنفسهم ولم ينطقوا بها ؟ قوله تعالى " وما كنتم تكتمون " تعطينا إشارة إلى أن الملائكة ربما قالوا هذا سراً . ولم يبدوه ، وعلى أية حال سواء قالوه جهراً أو قالوه سراً . فقد عَلِمه الله لأن الله جل جلاله بكل شيء محيط . ولا نريد لهذه النقطة أن تثير جدلاً … لماذا ؟ لأنه في الحالتين سواء في الجهر أو في الكتمان ، فإن الموقف يتساوى عند علم الله سبحانه وتعالى … فلا داعي للجدل لأنه لا خلاف .