Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 39-39)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الحق سبحانه وتعالى بعد أن أعلمنا أن آدم حين يهبط إلى الأرض سيتلقى من الله منهجاً لحركة حياته . مَنْ اتبعه خرج من حياته الخوف والحزن ، وأصبح آمناً في الدنيا والآخرة . أراد الله تعالى أن يعطينا الصورة المقابلة ، فالحكم في الآية السابقة كان عن الذين اهتدوا ، والحكم في هذه الآية عن الذين كفروا . يقول الحق تبارك وتعالى … { وَٱلَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ } [ البقرة : 39 ] والكفر كما بينا هو محاولة ستر وجود الله واجب الوجود ، ومحاولة ستر هذا الوجود هو إعلان بأن الله تعالى موجود ، فأنت لا تحاول أن تستر شيئاً إلا إذا كان له وجود أولاً . إن الشيء الذي لا وجود له لا يحتاج إلى ستر لأنه ليس موجوداً في عقولنا . وعقولنا لا تفهم ولا تسعى إلا ما هو موجود . توجد الصورة الذهنية أولاً … ثم بعد ذلك يوجد الاسم أو الصورة الكلامية . ولذلك إذا حدثك إنسان عن شيء ليس له وجود فأنت لا تفهمه ، ولا تستطيع أن تعيه إلا إذا شبه لك بموجود . كأن يقال لك : مثل هذا الجبل أو مثل هذه البحيرة ، أو مثل قرص الشمس أو غير ذلك حتى تستطيع أن تفهم . فأنت لا تفهم غير موجود إلا إذا شبه بموجود . وكل شيء لابد أن يكون قد وُجِد أولاً . ثم بعد ذلك تجتمع مجامع اللغة في العالم لتبحث عن لفظ يعبر عنه بعد أن وجد في الصورة الذهنية ، فلم يكن هناك اسم للصاروخ مثلاً قبل أن يوجد الصاروخ ، ولا لسفينة الفضاء قبل أن تخترع ، ولا لأشعة الليزر قبل أن تكتشف . إذن فكل هذا وجد أولاً ، ووضع له الاسم بعد ذلك . الذين كفروا يحاولون ستر وجود الله ، وستر وجود الله سبحانه وتعالى هو إثبات لوجوده ، لأنك لا تستر شيئاً غير موجود ، وهكذا يكون الكفر مثبتاً للإيمان . وعقلك لا يستطيع أن يفهم الاسم إلا إذا وجد المعنى في عقلك ، وأنت لا تجد لغة من لغات العالم ، ليس فيها اسم الله سبحانه وتعالى . بل إن الله جل جلاله - وهو غيب عنا - إذا ذكر اسمه فهمه الصغير والكبير ، والجاهل والعالم ، والذي طاف الدنيا ، والذي لم يخرج من بيته . كل هؤلاء يفهمون الله بفطرة الإيمان التي وضعها في قلوبنا جميعاً . إذن الذين كفروا يحاولون ستر وجود الله سبحانه وتعالى … وقوله تعالى : { وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ } [ البقرة : 39 ] والآية هي الشيء العجيب اللافت . فهناك في الكون آيات كونية مثل الشمس والقمر والنجوم والأرض ، والجبال والبحار وغير ذلك . هذه تسمى آيات . شيء فوق قدرة البشر خلقها الله سبحانه وتعالى لتكون آية في كونه وتخدم الإنسان . وهناك الآيات وهي المعجزات . عندما يرسل الله رسولاً أو نبياً إلى قومه فإنه سبحانه يخرق له قوانين الكون ليثبت لقومه أنه نبي مرسل من عند الله سبحانه وتعالى ، وهذه الآيات مقصود بها مَنْ شهدها ، لأنها تأتي لتثبيت المؤمنين بالرسل ، وهم يمرون بأزمة يحتاجون فيها إلى التثبيت ، ودلالة على صدق رسالة النبي لقومه … وتطلق الآيات على آيات القرآن الكريم . كلام الله المعجز الذي وضع فيه سبحانه وتعالى ما يثبت صدق الرسالة إلى يوم الدين . يحدثنا الله سبحانه في آياته عن كيفية خلق الإنسان وعن منهج السماء للأرض وغير ذلك . والذين كذبوا بآيات الله هم الكافرون ، وهم المشركون ، وهم الذين يرفضون الإسلام ، ويحاربون الدين . هؤلاء جميعاً ، حدد لنا الله تعالى مصيرهم . ولكن هل التكذيب عدم قدرة على الفهم ؟ نقول أحياناً يكون التكذيب متعمداً مثلما حدث لآل فرعون عندما أصابهم الله بآفات وأمراض وبالعذاب الأصغر حتى يؤمنوا ، ولكنهم رغم يقينهم بأن هذه الآيات من الله سبحانه وتعالى ، لم يعترفوا بها … ويقول الحق جل جلاله . { وَجَحَدُواْ بِهَا وَٱسْتَيْقَنَتْهَآ أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً … } [ النمل : 14 ] . والآيات في الكون كثيرة لو أننا التفتنا إليها لآمَنَّا . فهي ليست محتاجة إلى فكر ، بل إن الله تعالى ، رحمة بنا جعلها ظاهرة ليدركها الناس ، كل الناس . ولكن البعض رغم ذلك يكذب بآيات الله ، وهؤلاء هم الذين يريدون أن يتبعوا هوى النفس ، والحق سبحانه وتعالى جمع الكافرين والمكذبين بآيات الله في عقاب واحد … وقال جل جلاله : { أُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ } [ البقرة : 39 ] والصاحب هو الذي يألف صاحبه ، ويحب أن يجلس معه . ويقضي أجمل أوقاته . فكان قوله تعالى : { أَصْحَابُ ٱلنَّارِ } [ البقرة : 39 ] . دليل على عشق النار لهم . فهي تفرح بهم ، عندما يدخلونها . كما يفرح الصديق بصديقه . ولا تريد أن تفارقهم أبداً … ولذلك اقرأ قول الحق سبحانه وتعالى : { يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ ٱمْتَلأَتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ } [ ق : 30 ] . وهكذا نرى مدى العشق ، بين النار والكافرين . إن النار تصاحبهم في كل مكان ، وهي ليست مصاحبة كريهة بالنسبة للنار ، ولكنها مصاحبة تحبها النار . فالنار حين تحرق كل كافر وآثم ومنافق تكون سعيدة ، لأنها تعاقب الذين كفروا بمنهج الله وكذبوا بآياته في الحياة الدنيا … وكذلك الحال بالنسبة للجنة ، فإن الجنة أيضاً تحب مصاحبة كل مَنْ آمن بالله وأخلص له العبادة وطبق منهجه … واقرأ قوله تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوۤاْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } [ هود : 23 ] . أي أن الجنة تصاحب المؤمنين ، وتحبهم وتلازمهم ، مثلما تصاحب النار الكافرين والمكذبين … وكما أن النار تكون سعيدة وهي تحرق الكافر . فالجنة تكون سعيدة وهي تمتع المؤمن … ثم يقول الحق سبحانه وتعالى : { هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } [ البقرة : 39 ] أي أن العذاب فيها دائم ، لا يتغير ولا يفتر ، ولا يخفف ، بل هو مستمر إلى الأبد . . واقرأ قوله سبحانه وتعالى : { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا بِٱلآخِرَةِ فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ ٱلْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ } [ البقرة : 86 ] . وهكذا نعرف أن الله سبحانه وتعالى قد أَنْزل المنهج إلى الأرض مع آدم ، وأن آدم نزل إلى الأرض ومعه الهدى ليطبق أول منهج للسماء على الأرض . فكأن الله سبحانه وتعالى لم يترك الإنسان لحظة واحدة على الأرض دون أن يعطيه المنهج الذي يبين له طريق الهدى وطريق الضلال ، ومع المنهج شرعت التوبة ، وشرع قبول التوبة حتى لا ييأس الإنسان ، ولا يحس بأنه إذا أخطأ أو نسي أصبح مصيره جهنم . بل يحس أن أبواب السماء مفتوحة له دائماً ، وإن الله الذي خلقه رحيم به إذا أخطأ فتح له أبواب التوبة وغفر له ذنوبه ، حتى يحس كل إنسان برعاية الله سبحانه وتعالى له هو على الأرض من أول بداية الحياة . فالمنهج موجود لمَنْ يريد أن يؤمن ، والتوبة قائمة لكل مَنْ يخطئ . وحذر الله سبحانه وتعالى آدم وذريته أنه مَنْ يطع ويؤمن يعش الحياة الطيبة في الدنيا والآخرة ، ومَنْ يكفر ويكذب ، فإن مصيره عذاب أبدي . لقد عرَّف الله آدم بعدوه إبليس ، وطلب منه أن يحذره . فماذا فعل بنو آدم ؟ هل استقبلوا منهج الله بالطاعة أم بالمعصية ؟ وهل تمسكوا بتعاليم الله ، أم تركوها وراء ظهورهم ؟