Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 55-55)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

بعد أن تاب الله على قوم موسى بعد عبادتهم للعجل … عادوا مرة أخرى إلى عنادهم وماديتهم . فهم كانوا يريدون إلهاً مادياً … إلهاً يرونه ولكن الإله من عظمته أنه غيب لا تدركه الأبصار … واقرأ قوله تعالى : { لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ ٱلأَبْصَارَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ } [ الأنعام : 103 ] . فكون الله سبحانه وتعالى فوق إدراك البشر … هذا من عظمته جل جلاله ، ولكن اليهود الذين لا يؤمنون إلا بالشيء المادي المحس … لا تتسع عقولهم ولا قلوبهم إلى أن الله سبحانه وتعالى فوق المادة وفوق الأبصار … وهذه النظرة المادية نظرة حمقاء … والله تبارك وتعالى قد لفتنا إلى قضية رؤيته جهرا في الدنيا … بقوله تعالى : { وَفِيۤ أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ } [ الذاريات : 21 ] . أي أن الله جل جلاله وضع دليل القمة على وجود الله الذي لا تدركه الأبصار . وضع هذا الدليل في نفس كل واحد منا . وهي الروح الموجودة في الجسد ، والإنسان مخلوق من مادة نفخت فيها الروح فدبت فيها الحياة والحركة والحس … إذن كل ما في جسدك من حياة … ليس راجعاً إلى المادة التي تراها أمامك … وإنما يرجع إلى الروح التي لا تستطيع أن تدركها إلا بآثارها … فإذا خرجت الروح ذهبت الحياة وأصبح الجسد رمة . إذا كانت هذه الروح التي في جسدك ، والتي تعطيك الحياة لا تستطيع أن تدركها مع أنها موجودة داخلك … فكيف تريد أن تدرك الله سبحانه وتعالى … كان يجب أولاً أن تسأل الله أن يجعلك تدرك الروح التي في جسدك ، ولكن الله سبحانه وتعالى قال إنها من أمر الله … واقرأ جل جلاله : { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِ قُلِ ٱلرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ ٱلْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً } [ الإسراء : 85 ] . إذا كانت هذه الروح هي مخلوقة لله لا تدركها … فكيف تطمع أن ترى خالقها … وانظر إلى دقة الأداء القرآني في قوله سبحانه . { حَتَّىٰ نَرَى ٱللَّهَ جَهْرَةً } [ البقرة : 55 ] … فكلمة نرى تطلق ويراد بها العلم … مثلاً : { أَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ } [ الفرقان : 43 ] . أي أعلمت … ولكن جاءت كلمة جهرة لتنفي العلم فقط وتطالب بالرؤية مجهورة واضحة يدركونها بحواسهم . وهذا دليل على أنهم متمسكون بالمادية التي هي قوام حياتهم … نقول لهؤلاء إن سؤالكم يتسم بالغباء … فأنتم حين تطلبون أن تروا الله جهرة . والمفروض أن الله تبارك وتعالى له مدلول عندكم … ولذلك تطلبون رؤيته لتقارنوا المدلول على الموجود … ذلك لو كانت القضية أصلاً أن تعرفوا أن الله موجود أو غير موجود ، والذي شجعهم على أن يقولوا ما قالوا … طلب موسى عليه السلام من الله سبحانه وتعالى أن يراه . واقرأ قوله تعالى : { قَالَ رَبِّ أَرِنِيۤ أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـٰكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسَىٰ صَعِقاً } [ الأعراف : 143 ] . ولابد أن نعرف أن قضية رؤية الله في الدنيا محسومة ، وأنه لا سبيل إلى ذلك والإنسان في جسده البشري … لأن هذا الجسد له قوانين في إدراكاته ، ولكن يوم القيامة نكون خلقاً بقوانين تختلف … ففي الدنيا لابد أن تخرج مخلفات الطعام من أجسادنا ، وفي الآخرة لا مخلفات . وفي الدنيا يحكمنا الزمن ، وفي الآخرة لا زمن . إذ يظل الإنسان شباباً دائماً … إذن فهناك تغيير … المقاييس هنا غير المقاييس يوم القيامة في الدنيا بإعدادك وجسدك لا يمكن أن ترى الله . وفي الآخرة يسمح إعدادك وجسدك بأن يتجلى عليك الله سبحانه وتعالى ، وهذا قمة النعيم في الآخرة . أنت الآن تعيش في أثار قدرة الله … وفي الآخرة تعيش عيشة الناظر إلى الله تبارك وتعالى … وفي ذلك يقول الحق جل جلاله : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } [ القيامة : 22 - 23 ] . والإنسان في الدنيا قد اخترع آلات مكنته من أن يرى ما لا يراه بعينه المجردة يرى الأشياء الدقيقة بواسطة الميكرسكوب ، والأشياء البعيدة بواسطة التلسكوب … فإذا كان عمل الإنسان في الدنيا جعله يبصر ما لم يكن يبصره … فما بالك بقدرة الله في الآخرة … وإذا كان الإنسان عندما يضعف نظره ، يطلب منه الطبيب استعمال نظارة … فإذا ذهب إلى طبيب أمهر … أجرى له عملية جراحية في عينه يستغني بها عن النظارة ويرى بدونها … فما بالكم بإعداد الحق للخلق وبقدرة الله التي لا حدود لها في أن يعيد خلق العين بحيث تستطيع أن تتمتع بوجهه الكريم . ولقد حسم الله تبارك وتعالى المسألة مع موسى عليه السلام بأن أراه العجز البشري … لأن الجبل بقوته وجبروته لم يستطع احتمال نور الله فجعله دكا … وكأن الله يريد أن يفهم موسى … أن الله تبارك وتعالى حجب عنه رؤيته رحمة منه . لأنه إذا كان هذا قد حدث للجبل فماذا كان يمكن أن يحدث بالنسبة لموسى . إذا كان موسى قد صعق برؤية المتجلَّى عليه … فكيف لو رأى المتجلِّي ؟ … والإنسان حين يعجز عن إدراك شيء في الدنيا لأنه مخلوق بهذه الإمكانات يكون العجز عن الإدراك إدراكا لأن العجز عن الإدراك هو في عظمة الله سبحانه وتعالى … وقوم موسى حينما طلبوا منه أن يروا الله جهرة أخذتهم الصاعقة وهم ينظرون … عندما اجترأوا هذا الاجتراء على الله أخذتهم الصاعقة … والصاعقة إما نار تأتي وإما عذاب ينزل … المهم أنه بلاء يعمهم … والصاعقة قد أصابت موسى .