Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 57-57)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
فالله سبحانه وتعالى يريد أن يمتن على بني إسرائيل بنعمه ومعجزاته … ويرينا أنه برغم كل هذه النعم عاش بنو إسرائيل في عنادهم وتعنتهم ، بعد أن طلب بنو إسرائيل أن يروا الله جهرة فقتلتهم الصاعقة … ثم بعثهم الله تبارك وتعالى لعلهم يشكرون … ذكر لنا الحق جل جلاله نعماً أخرى من نعمه على بني إسرائيل … وقال اذكروا إذ كنتم في الصحراء وليس فيها ظل تحتمون به من حرارة الشمس القاسية ، وليس فيها مكان تستظلون فيه ، لأنه لا ماء ولا نبات في الصحراء … فظلل الله سبحانه وتعالى عليكم بالغمام … أي جاء الغمام رحمة من الله سبحانه وتعالى … ثم بعد ذلك جاء المن والسلوى … والمن نقط حمراء تتجمع على أوراق الشجر بين الفجر وطلوع الشمس . وهي موجودة حتى الآن في العراق … وفي الصباح الباكر يأتي الناس بالملاءات البيضاء ويفرشونها تحت الشجر … ثم يهزون الشجر بعنف فتسقط القطرات الموجودة على ورق الشجر فوق الملاءات … فيجمعونها وتصبح من أشهى أنواع الحلويات . فيها طعم القشدة وحلاوة عسل النحل … وهي نوع من الحلوى اللذيذة المغذية سهلة الهضم سريعة الامتصاص في الجسم . والله سبحانه وتعالى جعله بالنسبة لهم وقود حياتهم … وهم في الصحراء يعطيهم الطاقة . أما السلوى فهي طير من السماء ويقال إنه السمان … يأتيهم في جماعات كبيرة لا يعرفون مصدرها … ويبقى على الأرض حتى يمسكوا به ويذبحوه ويأكلوه . فالله تبارك وتعالى قد رزقهم بهذا الرزق الطيب من غمام يقيهم حرارة الشمس ، ومَنّ يعطيهم وقود الحركة ، وسَلْوَى كغذاء لهم ، وكل هذا يأتيهم من السماء دونما تعب منهم … ولكنهم لعدم إيمانهم بالغيبيات يريدون الأمر المادي وهم يخافون أن ينقطع المَنُّ والسلْوى عنهم يوماً ما فماذا يفعلون ؟ لو كانوا مؤمنين حقاً لقالوا : إن الذي رزقنا بالمن والسلوى لن يضيعنا ، ولكن الحق جل جلاله ينزل لهم طعامهم يومياً من السماء وهم بدلاً من أن يقابلوا هذه النعمة بالشكر قابلوها بالجحود . وقوله تعالى : { وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } [ البقرة : 57 ] فالحق سبحانه وتعالى يتحدث للمرة الثالثة عن ظلم قوم موسى … ففي المرة الأولى قال " وأنتم ظالمون " . وفي الآية الثانية قال : " ظلمتم أنفسكم " … وفي هذه الآية قال : { وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } [ البقرة : 57 ] … ولقد سبق أن قلت إنه لا أحد يستطيع أن يظلم الله لأن الله سبحانه وتعالى باق بقدرته وقوته وعظمته … لا يقلل منها لو كفر أهل الأرض جميعاً ولا يزيد فيها لو آمن أهل الأرض كلهم . فقدرة الله باقية وكلمته ماضية . . ولكن نحن الذين نظلم أنفسنا … بأن نوردها مورد التهلكة والعذاب الذي لا نجاة منه دون أن نعطيها شيئاً . إن الدنيا كما قلنا عالم أغيار . والنعمة التي أنت فيها زائلة عنك . إما أن تتركها بالموت أو تتركك هي وتزول عنك … وتخرج من الدنيا تحمل أعمالك فقط … كل شيء زال وبقيت ذنوبك تحملها إلى الآخرة … ولذلك فإن كل من عصى الله وتمرد على دينه قد ظلم نفسه لأنه قادها إلى العذاب الأبدي طمعاً في نفوذ أو مال زال بعد فترة قصيرة ولم يدم … فكأنه ظلمها بأن حرمها من نعيم أبدي وأعطاها شهوة قصيرة عاجلة .