Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 75-75)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يعطينا الحق تبارك وتعالى هنا الحكمة … فيما رواه لنا عن بني إسرائيل وعن قصصهم . لأنهم سيكون لهم دور مع المسلمين في المدينة ، ثم في بيت المقدس ، ثم في المسجد الأقصى … فهو يروي لنا كيف أتعبوا نبيهم وكيف عصوا ربهم . وكيف قابلوا النعمة بالمعصية والرحمة بالجحود . وإذا كان هذا موقفهم يا محمد مع الله ومع نبيهم … فلا تطمع أن يؤمنوا لك ولا أن يدخلوا في الإسلام ، مع أنهم عندهم التوراة تدعوهم إلى الإيمان بمحمد عليه الصلاة والسلام … هذه الآيات تحمل أعظم تعزية للرسول الكريم . وتطالبه ألا يحزن على عدم إيمان اليهود به لأنه عليه البلاغ فقط ولكن حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يؤمن كل أهل الأرض يهودا ونصارى وكفاراً ، ليس معناه أنه لم يفهم مهمته ، ولكن معناه أنه أدرك حلاوة التكليف من ربه ، بحيث يريد أن يهدي كل خلق الله في الأرض … فيطمئنه الله ويقول له لا تعتقد أنهم سيؤمنون لك . وليس معنى عدم إيمانهم أنك لست صادقاً … فتكذيبهم لك لا ينبغي أن يؤثر فيك … فلا تطمع يا محمد أن يؤمنوا لك … ما هو الطمع ؟ … الطمع هو رغبة النفس في شيء غير حقها وإن كان محبوباً لها … والأصل في الإنسان العاقل ألا يطمع إلا في حقه … والإنسان أحياناً يريد أن يرفه حياته ويعيش مترفاً ولكن بحركة حياته كما هي . نقول له إذا أردت أن تتوسع في ترفك فلابد أن تتوسع في حركة حياتك لأنك لو أترفت معتمداً على حركة حياة غيرك … فسيفسد ميزان حركة الحياة في الأرض ، أي إن كنت تريد أن تعيش حياة متزنة فعش على قدر حركة حياتك لأنك إن فعلت غير ذلك تسرق وترتشي وتفسد . فإن كان عندك طمع فليكن فيما تقدر عليه . إذن فكلمة " أفتطمعون " هنا تحدد أنه يجب ألا نطمع إلا فيما نقدر عليه . هؤلاء اليهود هل نقدر على أن نجعلهم يؤمنون ؟ يقول الله تبارك وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم … هذا أمر زائد على ما كلفت به … لأن عليك البلاغ ، وحتى لو كان محبباً إلى نفسك … فإن مقدماتهم مع الله لا تعطيك الأمل في أنك ستصل إلى النتيجة التي ترجوها … وهذه الآية فيها تسرية لرسول الله صلى الله عليه وسلم عما سيلاقيه مع اليهود . وتعطيه الشحنة الإيمانية التي تجعله يقابل عدم إيمان هؤلاء بقوة وعزيمة … لأنه كان يتوقعه فلا يحزن ولا تذهب نفسه حسرات ، لأن الله تبارك وتعالى قد وضع في نفسه التوقع لما سيحدث منهم … فإذا جاء تصرفهم وفق ما سيحدث . . يكون ذلك أمراً محتملاً من النفس … والحق سبحانه وتعالى يقول : { وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ ٱللَّهِ } [ البقرة : 75 ] انظر إلى الأمانة والدقة … فريق منهم ليس كلهم … هذا هو ما استنبط منه العالم نظرية صيانة الاحتمال … وهي عدم التعميم بحيث تقول إنهم جميعاً كذا … لا بد أن تضع احتمالاً في أن شخصاً ما سيؤمن أو سيشذ أو سيخالف … هنا فريق من أهل الكتاب عرفوا صفات رسول الله صلى الله عليه وسلم من التوراة والإنجيل … وعندما بعث آمنوا به ، وهؤلاء لم يحرفوا كلام الله . لو أن القرآن جاء بالحكم عاماً لتغيرت نظرة الكافرين للإسلام … ولقالوا لقد قال عنا هذا الدين أننا حرفنا كتاب الله ولكننا لم نحرفه ونحن ننتظر رسوله … فكأن هذا الحكم غير دقيق … ولابد أن شيئاً ما خطأ … لأن الله الذي نزل هذا القرآن لا يخفى عليه شيء ويعرف ما في قلوبنا جميعاً … ولكن لأن الآية الكريمة تقول إن فريقاً منهم كانوا يسمعون كلام الله ثم يحرفونه … الكلام بلا تعميم ومنطبق بدقة على كل حال … والحق جل جلاله يقول : { ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } [ البقرة : 75 ] … هذه معصية مركبة سمعوا كلام الله وعقلوه وعرفوا العقوبة على المعصية ثم بعد ذلك حرفوه … لقد قرأوه في التوراة وقرأوا وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إنهم يعرفونه كأبنائهم … ثم حرفوا كلام الله وهم يعلمون … ومعنى التحريف تغيير معنى الكلمة … كانوا يقولون السَّأم عليكم بدلاً من السلام عليكم … ولم يتوقف الأمر عند التحريف بل تعداه إلى أن جاءوا بكلام من عندهم وقالوا إنه من التوراة .