Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 10-10)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
نلحظ هنا أن السياق لم يذكر قصة موسى من أولها لما قال تعالى : { وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ … } [ القصص : 7 ] ثم خروجه من المدينة خائفاً وذهابه إلى شعيب … الخ ، وإنما قصد إلى مَنَاط الأمر ، وهي الرسالة مباشرة . وقوله : { إِنِّيۤ آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّيۤ آتِيكُمْ مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى ٱلنَّارِ هُدًى } [ طه : 10 ] آنست : أي أبصرت ، وشعرت بشيء يستأنس به ويُفرَح به ويُطمأن إليه ، ومقابلها توجست للشر الذي يخاف منه كما في قوله : { فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَىٰ } [ طه : 67 ] . لَعلَّى رجاء أنْ أجدَ فيها القبس ، وهو شعلة النار التي تُتَّخذ من النار إنْ إدركت النار وهي ذات لَهَب ، فتأخذ منها عوداً مشتعلاً مثل الشمعة . وفي سياق آخر قال : جذوة وهي النار حينما ينطفىء لهبها ويبقى منها جمرات يمكن أن تشعل منها النار . وفي موضع آخر قال : { سَآتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ … } [ النمل : 7 ] . وهذه كلها صور متعددة ، وحالات للنار ، ليس فيها تعارض كما يحلو للبعض أن يقول ، فموسى عليه السلام حينما قال { لَّعَلِّيۤ آتِيكُمْ … } [ طه : 10 ] يرجو أن يجد القبس ، لكن لا يدري حال النار عندما يأتيها ، أتكون قَبَساً أم جَذوة ؟ وقد طلب موسى - عليه السلام - القَبَس لأهله لأنهم كانوا في ليلة مطيرة شديدة البرد ، وهم غرباء لا يعلمون شيئاً عن المكان ، فهو غير مطروق لهم فيسيرون لا يعرفون لهم اتجاهاً ، فماذا يفعل موسى عليه السلام ومعه زوجته وولده الصغير وخادمه ؟ إنهم في أمسِّ الحاجة للنار ، إما للتدفئة في هذا الجو القارس ، وإما لطلب هداية الطريق ، لذلك قال : { أَوْ أَجِدُ عَلَى ٱلنَّارِ هُدًى } [ طه : 10 ] أي : هادياً يدلّنا على الطريق . وفي موضع آخر قال : { لَّعَلِّيۤ آتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ … } [ القصص : 29 ] . لذلك لما أبصر موسى عليه السلام النار أسرع إليها بعد أنْ طمأن أهله : { ٱمْكُثُوۤاْ إِنِّيۤ آنَسْتُ نَاراً … } [ طه : 10 ] . وهذه المسألة من قصة موسى كانت مثَارَ تشكيك من خصوم الإسلام ، حيث وجدوا سياقات مختلفة لقصة واحدة ، فمرة يقول : { ٱمْكُثُوۤاْ إِنِّيۤ آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّيۤ آتِيكُمْ … } [ طه : 10 ] ، وفي موضع آخر يقول : { لَّعَلِّيۤ آتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ … } [ القصص : 29 ] . ومرة يقول : قَبَس وأخرى يقول بِشهَابٍ قَبَسٍ ومرة بجَذْوَة ومرة يقول : { أَوْ أَجِدُ عَلَى ٱلنَّارِ هُدًى } [ طه : 10 ] ومرة يقول : { لَّعَلِّيۤ آتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ … } [ القصص : 29 ] . والمتأمل في الموقف الذي يعيشه الآن موسى وامرأته وولده الصغير وخادمه في هذا المكان المنقطع وقد أكفهرَّ عليهم الجو ، يجد اختلاف السياق هنا أمراً طبيعياً ، فكلُّ منهم يستقبل الخبر من موسى بشكل خاص ، فلما رأى النار وأخبرهم بها أراد أنْ يُطمئنهم فقال : { سَآتِيكُمْ … } [ النمل : 7 ] فلما رآهم مُتعلِّقين به يقولون : لا تتركنا في هذا المكان قال : { ٱمْكُثُوۤاْ … } [ طه : 10 ] وربما قال هذه لزوجه وولده وقال هذه لخادمه . فلا بُدَّ أنهم راجعوه . فاختلفت الأقوال حول الموقف الواحد . كذلك في قوله : قَبَسٍ أو جَذْوةٍ لأنه حين قال : { لَّعَلِّيۤ آتِيكُمْ … } [ طه : 10 ] يرجو أن يجد هناك القبس ، لكن لعله يذهب فيجد النار جَذْوة . وفي مرة أخرى يجزم فيقول : { سَآتِيكُمْ … } [ النمل : 7 ] . إذن : هي لقطات مختلفة تُكوِّن نسيج القصة الكاملة ، وتعددتْ الكلمات لأن الموقف قابلٌ للمراجعة ، ولا ينتهي بكلمة واحدة . ثم يقول الحق سبحانه : { فَلَمَّآ أَتَاهَا نُودِيَ … } .