Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 18-18)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قال موسى : { هِيَ عَصَايَ } [ طه : 18 ] ، ثم يفتح لنفسه مجالاً آخر للكلام : { أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي } [ طه : 18 ] وهنا يرى موسى أنه تمادى وزاد ، فيحاول الاختصار : { وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَىٰ } [ طه : 18 ] . وكان موسى ينتظر سؤالاً يقول : وما هذه المآرب ؟ ليُطيل أُنْسه بربه ، وإذا كان الخطاب مع الله فلا يُنهِيه إلا زاهد في الله . وللعصا تاريخ طويل مع الإنسان ، فهي لازمة من لوازم التأديب والرياضة ، ولازمة من لوازم الأسفار ، ولها أهميتها في الرعي … الخ وهنا يذكر موسى - عليه السلام - بعض هذه الفوائد - يقول : { أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا } [ طه : 18 ] أي : أعتمد عليها ، وأستند عندما أمشي ، والإنسان يحتاج إلى الأعتماد على عصا عند السير وعند التعب لأنه يحتاج إلى طاقتين : طاقة للحركة والمشي ، وطاقة لحمل الجسم والعصا تساعده في حَمْل ثقل جسمه ، خاصة إنْ كان مُتْعباً لا تقوَى قدماه على حَمْله . فقوله : { أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا } [ طه : 18 ] أي : أعتمد عليها حين المشي وحين أقف لرعي الغنم فأستند عليها ، والاتكاء يراوح الإنسان بين قدميْه فيُريح القدم التي تعبتْ ، وينتقل من جنب إلى جنب . والإنسان إذا ما استقرّ جسمه على شيء لمدة طويلة تنسدّ مسامّ الجسم في هذا المكان ، ولا تسمح بإفراز العرق ، فيُسبِّب ذلك ضرراً بالغاً نراه في المرضى الذين يلازمون الفراش لمدة طويلة ، ويظهر هذا الضرر في صورة قرحة يسمونها " قرحة الفراش " لذلك ينصح الأطباء هؤلاء المرضى بأن يُغيِّروا من وضْعِهم ، فلا ينامون على جنب واحد . لذلك شاءت قدرة الله عز وجل أنْ يُقلِّب أهل الكهف في نومهم من جَنْب إلى جَنْب ، كما قال سبحانه : { وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ ٱليَمِينِ وَذَاتَ ٱلشِّمَالِ … } [ الكهف : 18 ] . لذلك إذا وقف الإنسان طويلاً ، أو جلس طويلاً ولم يجد له متكأ تراه قَلِقاً غير مستقر ، ومن هنا كان المتَّكأ من مظاهر النعمة والترف في الدنيا وفي الآخرة ، كما قال تعالى في شأن امرأة العزيز : { وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَئاً … } [ يوسف : 31 ] . وقال عن نعيم الآخرة : { مُتَّكِئِينَ عَلَىٰ سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ … } [ الطور : 20 ] . وقال : { مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَآئِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ … } [ الرحمن : 54 ] . وقال الحق تبارك وتعالى : { مُتَّكِئِينَ عَلَىٰ رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ } [ الرحمن : 76 ] . فالاتكاء وسيلة من وسائل الراحة ، وعلى الإنسان أنْ يُغيِّر مُتكأهُ من جنب إلى جنب حتى لا يتعرّض لما يسمى بـ " قرحة الفراش " . ومن فوائد العصا : { وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي … } [ طه : 18 ] أي : أضرب بها أوراق الشجر فتتساقط فتأكلها الغنم والماشية لأن الراعي يمشي بها في الصحراء ، فتأكل من العِذْي ، وهو النبات الطبيعي الذي لم يزرعه أحد ، ولا يسقيه إلا المطر ، فإن انتهى هذا العُشْب اتجه الراعي إلى الشجر العالي فيُسقِِط ورقه لتأكله الغنم ، فيحتاج إلى العصا ليؤدي بها هذه المهمة . إذن : قوله : { أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا … } [ طه : 18 ] لراحته هو ، و { وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي … } [ طه : 18 ] لخدمة الرعية ، وفيها سياسة إدارة الرزق كلها للماشية وللناس ، ورَعْي الغنم وسياستها تدريب على سياسة الأمة بأسْرها لذلك ما بعث الله من نبي إلا ورَعَى الغنم ليتعلم من سياسة الماشية سياسة الإنسان . وفي الحديث الشريف : " ما بعث الله من نبي إلا ورعى الغنم ، وأنا كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة " . ولما أحسَّ موسى - عليه السلام - أنه أطال في خطاب ربه عز وجل أجمل فقال : { وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَىٰ } [ طه : 18 ] أي : منافع . وقد حاول العلماء جزاهم الله عَنَّا خيراً البحث في هذه المآرب الأخرى التي لم يذكرها موسى عليه السلام ، فتأملوا حال الرعاة ، وما وظيفة العصا في حياتهم فوجدوا لها منافع أخرى غير ما ذكر . من هذه المنافع أن الراعي البدائي يضع عصاه على كتفه ويُعلِّق عليها زاده من الطعام والشراب ، وبعض الرعاة يستغل وقته أيضاً في الصيد ، فيحتاج إلى أدوات مثل : القوس ، والنبل ، والسهام والمخلاة التي يجمع فيها صَيْده ، فتراه يضع عصاه على كتفه هكذا بالعرض ، ويُعلِّق عليها هذه الأدوات من الجانبين . فإذا ما اشتدت حرارة الشمس ولم يجد ظلالاً غرز عصاه في الأرض ، وألقى بثوبه عليها فجعل منها مثل الخيمة أو المظلة تقيه حرارة الجو . فإن احتاج للماء ذهب للبئر ، وربما وجده غائر الماء لا يبلغه الدلو فيحتاج للعصا يربطها ويُطيل بها الحبل ، إلى غير ذلك من المنافع . وبعض العلماء يقولون : لقد كان موسى عليه السلام ينتظر أن يسأله ربه عن هذه المآرب ليطيل الحديث معه ، لكن الحق سبحانه لم يسأله عن ذلك لأنه سينقله إلى شيء أهم من مسألة العصا ، فما ذكْرتَه يا موسى مهمة العصا معك ، أمّا أنا فأريد أنْ أخبرك بمهمتها معي : ثم يقول الحق سبحانه : { قَالَ أَلْقِهَا … } .