Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 29-29)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وزيراً : أي : معيناً وظهيراً . والحق - سبحانه وتعالى - لما أراد أنْ يُخوِّف الناس من الآخرة قال : { كَلاَّ لاَ وَزَرَ * إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ ٱلْمُسْتَقَرُّ } [ القيامة : 11 - 12 ] . أي : لا ملجأ ولا معين تفزع إليه إلا الله ، فالوزير من وَزَر ، ويطلب الوزير حين لا يستطيع صاحب الأمر القيام به بمفرده ، فيحتاج إلى مَنْ يعينه على أمره ، وهو وزير إنْ كان ناصحاً أميناً يُعين صاحبه بصِدْق ، فإنْ كان غاشَّاً لئيماً يعمل لصالح نفسه ، فليس بوزير ، بل هو وِزْر ، ومنه قوله تعالى : { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ … } [ فاطر : 18 ] . وفي الحديث النبوي الشريف : " خَيْر الملوك ملك جعل الله له وزيراً ، إنْ نسي ذكَّره ، وإنْ نوى على خير - مجرد نيّة - أعانه ، وإن أراد شرّاً كفَّه … " . تلك علامات الوزير الناصح للرعية كما بيَّنتها سياسة السماء لأن لكل حاكم بطانتين : واحدة تأمر بالمعروف ، وأخرى تأمر بالمنكر كما جاء في الحديث الشريف . فإنْ كانت هذه هي سياسة السماء ، فماذا عن سياسة البشر ؟ يقول أنو شروان : إياكم أنْ تفهموا أن أحداً مِنَّا يستغني عن أحد ، فلكُلِّ واحد مهمته ، فإنْ زدت في شيء فقد نقصت في أشياء ، جعلها الله في غيرك ليكمل بها نقصك ، فالمعايشة مشتركة ، لكن هذه المشاركة تفرضها الضرورة لا التفضّل ، وإلاَّ لو لم يتفضّل عليك غيرك فماذا تفعل ؟ وسبق أن ضربنا مثلاً لحاجة الناس بعضهم لبعض ، قلنا : ماذا يحدث لو امتنع رجال الصرف الصحي أو الكناسون عن العمل لعدة أيام ؟ أما لو غاب الوزراء لعدة أيام فلن يحدث شيء . إذن : لا تظن أنك أفضل من الآخرين لأن لكل منهم مهمة يؤديها ، فإنْ كنتَ خيراً منه في هذه فهو خير منك في هذه لأن مجموع مواهب كل إنسان يساوي مجموع مواهب الآخر ، فإنْ قلتَ : فلماذا وُجِد التفاوت بين الناس ؟ قالوا : لتكون هناك ضرورة في حاجة بعضنا لبعض ، فلو تساوَى الجميع لقلنا لجماعة منا : تفضّلوا بكنس الشوارع يوم كذا فلن يتفضلوا ، أما إنْ ألجأتْهم الحاجة إلى مثل هذا العمل فسوف يسارعون إليه ، كما نرى الآن في أشقِّ المهن وأصعب المهام التي ينفر منها الناس بل ويحتقرونها ترى صاحبها مُقبلاً عليها حريصاً على القيام بها ، رغم ما فيها من مشقّة ، بل ويغضب إنْ لم يجد فرصة للعمل ، لماذا ؟ لأنه مصدر قُوته وقُوت عياله . وبهذه النظرة لا يتعالى أحد أو يستكبر ليحدث في المجتمع توازن استطراقي . وقوله : { مِّنْ أَهْلِي } [ طه : 29 ] أي : ليكون مأموناً عليَّ . وهذا المطلب من موسى - عليه السلام - يشير لأدب عال من آداب النبوة ، وقد اختار الله موسى للرسالة ، فلماذا يشرك معه أخاه في هذه المهمة ؟ إذن : موسى لا يريد أنْ يفخَر بالرسالة ، أو يتعالى بها ، أو يطغى ، إنما يريد أن يقوم بها على أكمل وجه لذلك يحاول أنْ يُكمل ما فيه من نقص بأخيه ليُعينه على تبليغ رسالته ، ولو أراد الاستئثار بالرسالة ما طلب هذا الطلب . وهذا نموذج يجب أنْ يُحتذَى ، فإنْ كُلِّفت بأمر فوق طاقتك فلا غبارَ عليك أن تستعين عليه بغيرك ، فهذا دليل على إخلاصك للمهمة التي كُلِّفت بها .