Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 21, Ayat: 108-108)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فالوحدانية هي أول رحمة بنا ، أن نكون كلنا سواء ، ليس لنا إلا إله واحد ، هذه من أعظم رحمات الله أن نعبده وحده لا شريكَ له ، فعبادته تُغنينا عن عبادة غيره ، ولو كانت آلهةً متعددة لأصابتنا الحيرة بين إله يأمر ، وإله ينهى . لذلك فالحق - سبحانه وتعالى - يطلب منا أنْ نعتزّ وأنْ نفخَر بهذه الوحدانية ، وبهذه الألوهية ، وفي هذا يقول الشاعر الإسلامي محمد إقبال : @ والسُّجود الذِي تَجْتويِه مِنْ أُلُوفِ السُّجودِ فِيهِ نَجَاةُ @@ فسجودك لله وتعفير وجهك له سبحانه يحميك من السجود لغيره ، ولولا سجودك لله لَسجدت لكل مَنْ هو أقوى منك ، فعليك - إذن - أن تعتز بعبوديتك لله لأنها تحميك من العبودية لغيرك من البشر ، وحتى لا يقول لك شخص أنت عبد ، نعم أنا عبد لكن لستُ عبداً لك ، فعبد غيرك حُرٌّ مثلك . وقد ضرب لنا الحق سبحانه مثلاً في هذه المسألة في قوله تعالى : { ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَآءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً … } [ الزمر : 29 ] فهل يستوي عبد لعدة أسياد يتجاذبونه في وقت واحد ، وهم مع ذلك مختلفون بعضهم مع بعض ، وعبد سَلَمَاً لسيد واحد ؟ وهكذا ، نحن جميعاً عبيد لله - عز وجل - حين نخضع لا نخضع إلا له سبحانه ، فلا أخضع لك ولا تخضع أنت لي لذلك يقولون " اللي الشرع يقطع صباعه ميخرش دم " لأنه أمر من أعلى ، من السماء ، لا دَخْلَ لأحد فيه . لذلك فالعبودية تُكره حين تكون عبوديةً للبشر ، لأن عبودية البشر للبشر يأخذ السيد خير عبده ، أما العبودية لله فيأخذ العبد خير سيده . والشاعر يقول : @ حَسْبُ نفسي عِزاً بأنِّي عَبْدٌ يحتفي بي بلاَ مواعيدَ رَبُّ هُوَ في قُدْسِه الأعزِّ ولكِنْ أنا أَلْقَى متى وأيْنَ أُحِبُّ @@ ولك أنْ تقارن بين مقابلة عظيم من عظماء الدنيا ، ومقابلة ربك عز وجل . فإنْ أردتَ الدخولَ على أحد هؤلاء لا بُدَّ أن تطلب المقابلة ، ويا ترى تقبل أم ترفض ، وإنْ قبلت فلا تملك من عناصرها شيئاً ، فالزمان ، والمكان ، وموضوع الكلام . كلها أمور يحددها غيرك . أما إن أردتَ مقابلة ربك - عز وجل - فما عليك إلا أنْ تتوضأ وترفع يديك قائلاً : الله أكبر بعدها ستكون في معية الله ، وقد اخترتَ أنت الزمان ، والمكان ، وموضوع الحديث ، وإنهاء اللقاء . أَلاَ ترى كيف امتنَّ الله تعالى على رسوله في رحلة " الإسراء والمعراج " بأنْ وصفه بالعبودية له سبحانه ، فقال : { سُبْحَانَ ٱلَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ … } [ الإسراء : 1 ] إذن : جاء قوله تعالى : { قُلْ إِنَّمَآ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ … } [ الأنبياء : 108 ] بعد قوله : { وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } [ الأنبياء : 107 ] ليدلنا : أن دعوة الله لنا إلى عبادة إله واحد ترحمنا من عبوديتنا بعضنا لبعض . ثم يُرغِّبنا الحق سبحانه في هذه العبودية ، فيقول : { فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ } [ الأنبياء : 108 ] كما تحث ولدك المتكاسل أن يكون مثلَ زميله الذي تفوَّق ، وأخذ المركز الأول ، فتقول له : ألا تذاكر وتجتهد حتى تكون مثله ؟ وهكذا في { فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ } [ الأنبياء : 108 ] أي : مسلمون لله لأن مصلحتكم في الإسلام وعزّكم في عبوديتكم لله .