Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 21, Ayat: 10-10)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الحق سبحانه يخاطب المكذِّبين للنبي : ما أنزلتُ إليكم آية بعيدة عن معرفتكم ، إنما أرسلتُ إليكم رسولاً بآية من جنس ما نبغتُم فيه ، ولما نزل فهمتموه وعرفتم مراميه ، بدليل أن في القرآن ألفاظاً تُستقبل بالغرابة ولم تعترضوا أنتم عليها ، ولم تُكذِّبوا محمداً فيها مع أنكم تتلمسون له خطأ ، وتبحثون له عن زلة . فمثلاً لما نزلتْ الم ما سمعنا أحداً منهم قال : أيها المؤمنون بمحمد ، إن محمداً يدَّعي أنه أتى بكتاب مُعْجز فاسألوه : ما معنى الم ؟ مما يدل على أنهم فهموها وقبلوها ، ولم يجدوا فيها مَغْمزاً في رسول الله لأن العرب في لغتهم وأسلوبهم في الكلام يستخدمون هذه الحروف للتنبيه . فالكلام سفارة بين المتكلِّم والسامع ، المتكلِّم لا يُفَاجأ بكلامه إنما يعدّه ويُحضره قبل أن ينطق به ، أمّا السامع فقد يُفَاجأ بكلام المتكلم ، وقد يكون غافلاً يحتاج إلى مَنْ يُوقِظه ويُنبِّهه حتى لا يفوته شيء . وهكذا وُضِعَتْ في اللغة أدوات للتنبيه ، إنْ أردتَ الكلام في شيء مهم تخشى أنْ يفوتَ منه شيء تُنبِّه السامع ، ومن ذلك قول عمرو ابن كلثوم : @ * أَلاَ هُبِّي بِصَحْنِكِ فَاصْبِحينَا * @@ وقول آخر : @ أَلاَ أنعِمْ صَبَاحاً أُيُّها الطَّلَلُ البَالي وَهَلْ يَنْعَمَنْ مَنْ كَانَ في العَصْر الخالي @@ إذن : ألا هنا أداة للتنبيه فقط يعني : اسمعوا وانتبهوا لما أقول . وكذلك أسلوب القرآن : { أَلاۤ إِنَّ أَوْلِيَآءَ ٱللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } [ يونس : 62 ] { أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ … } [ هود : 5 ] . إذن : عندما نزل القرآن عليهم فهموا هذه الحروف ، وربما فهموا منها أكثر من هذا ، ولم يردُّوا على رسول الله شيئاً من هذه المسائل مع حرصهم الشديد على نقده والأخذ عليه . وقوله تعالى : { فِيهِ ذِكْرُكُمْ … } [ الأنبياء : 10 ] الذكر : سبق أنْ أوضحنا أن الذكر يُطلق بمعنى : القرآن ، أو بمعنى : الكتب المنزّلة ، أو بمعنى : الصِّيت والشرف . أو بمعنى : التذكير أو التسبيح والتحميد . والذكر هنا قد يُرَاد به تذكيرهم بالله خالقاً ، وبمنهجه الحق دستوراً ، ولو أنكم تنبهتم لما جاء به القرآن لعرفتُم أن الفطرة تهدي إليه وتتفق معه ، ولعرفتم أن القرآن لم يتعصّب ضدكم ، بدليل أنه أقرَّ بعض الأمور التي اهتديتم إليها بالفطرة السليمة ووافقكم عليها . ومن ذلك مثلاً الدِّيَة في القتل هي نفس الدية التي حدَّدها القرآن ، مسائل الخطبة والزواج والمهر كانت أموراً موجودة أقرها القرآن ، كثيرون منهم كانوا يُحرِّمون الخمر ولا يشربونها ، هكذا بالفطرة ، وكثيرون كانوا لا يسجدون للأصنام ، إذن : الفطرة السليمة قد تهتدي إلى الحق ، ولا تتعارض ومنهجَ الله . أو : يكون معنى { ذِكْرُكُمْ … } [ الأنبياء : 10 ] شرفكم وصيْتكم ومكانتكم ونباهة شأنكم بين الأمم لأن القرآن الذي نزل للدنيا كلها نزل بلغتكم ، فكأن الله تعالى يثني عقول الناس جميعاً ، ويثني قلوبهم للغتكم ، ويحثّهم على تعلّمها ومعرفتها والحديث بها ونشرها في الناس ، فمَنْ لم يستطع ذلك ترجمها ، وأيُّ شرف بعد هذا ؟ ! وقوله تعالى : { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } [ الأنبياء : 10 ] أفلا تُعملِون عقولكم وتتأملون أن خيركم في هذا القرآن ، فإنْ كنتم تريدون خُلقاً وديناً ففي القرآن ، وإنْ كنتم تريدون شرفاً وسُمعة وصيتاً ففي القرآن ، وأيُّ شرف بعد أن يقول الناس : النبي عربي ، والقرآن عربي ؟ ثم يقول الحق سبحانه : { وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً … } .