Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 21, Ayat: 35-35)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
إذن : فالموت قضية كونية عامة ، وهي في حقيقتها خَيْر ، فإنْ كانوا أخياراً نُعجِّل لهم جزاءهم عند الله ، وإنْ كانوا أشراراً فقد أراحَ اللهُ منهم البلاد والعباد . لكن ، كيف يُذَاق الموت ؟ الذَّوْق هنا يعني إحساسَ الإنسان بالألم من الموت ، فإنْ مات فعلاً يستحيل أن يذوق ، أما قبل أن يموت فيذوق مقدمات الموت ، والشاعر يقول : @ وَالأَسَى بَعْد فُرْقَةِ الرُّوحِ عَجْزٌ وَالأسَى لاَ يكُونُ قَبْل الفِرَاقِ @@ فعلى أيِّ شيء يحزن الإنسان بعد أن يموت ؟ ولماذا الحزن قبل أن يموت ؟ فالمراد - إذن - ذائقةٌ مقدمات الموت ، التي يعرف بها أنه ميت ، فالإنسان مهما كان صحيحاً لا بُدّ أنْ يأتي عليه وقت يدرك أنه لا محالةَ ميت ، ذلك إذا بلغت الروح الحلقوم ، كما قال تعالى : { كَلاَّ إِذَا بَلَغَتِ ٱلتَّرَاقِيَ * وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ * وَظَنَّ أَنَّهُ ٱلْفِرَاقُ } [ القيامة : 26 - 28 ] فالموت في هذه الحالة أمر مقطوع به . ثم يقول سبحانه : { وَنَبْلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلْخَيْرِ فِتْنَةً … } [ الأنبياء : 35 ] أي : نختبركم ، والإبتلاء لا يُذَمُّ في ذاته ، إنما تذم غاية الابتلاء : أينجح فيه أم يفشل ؟ كما نختبر الطلاب ، فهل الاختبار في آخر العام شَرٌّ ؟ لكن هل الحق سبحانه في حاجة لأنْ يختبر عباده ليعلم حالهم ؟ الحق يختبر الخَلْق لا ليعلم ، ولكن ليقيم عليهم الحجة . والمخاطب في { وَنَبْلُوكُم … } [ الأنبياء : 35 ] الجميع : الغني والفقير ، والصحيح والسقيم ، والحاكم والمحكوم … إلخ . إذن : كلنا فتنة ، بعضنا لبعض : فالغنيّ فتنة للفقير ، والفقير فتنة للغني ، كيف ؟ الفقير : هل يصبر على فقره ويرضى به ؟ هل سيحقد على الغني ويحسده ، أم يقول : بسم الله ما شاء الله ، اللهم بارك له ، وأعطني من خَيْرك ؟ والغني : هل يسير في ماله سَيْراً حسناً ، فيؤدي حقَّه وينفق منه على المحتاجين ؟ وهكذا ، يمكنك أنْ تُجري مثل هذه المقابلات لتعلم أن الشر والخير كلاهما فتنة واختبار ، ينتهي إما بالنجاح وإما بالفشل لذلك يقول بعدها : { وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ } [ الأنبياء : 35 ] لنجازي كُلاّ على عمله ، فإنْ حالفك التوفيق فَلَكَ الأجر والمكافأة ، وإنْ أخفقت فَلَكَ العقوبة ، فلا بُدَّ أن تنتهي المسألة بالرجوع إلى الله . ثم يقول الحق تبارك وتعالى : { وَإِذَا رَآكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِن يَتَّخِذُونَكَ … } .