Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 21, Ayat: 54-54)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أراد أنْ يُرشِّد هذا السَّفَه فقال : أنتم في ضلال لأنكم قلّدتم في الإيمان ، والإيمان لا يكون بالتقليد ، وآباؤكم لأنهم اخترعوا هذه المسألة وسَنُّوهَا لكم . ومن العجيب أنْ يُقلِّدوا آباءهم في هذه المسألة بالذات دون غيرها ، وإلاَّ فَمن الذي يظل على ما كان عليه أبوه ، ونحن نرى كُلَّ جيل يأتي بجديد مِمَّا لم يكُنْ معروفاً للجيل السابق . لذلك يقولون : الناس بأزمانهم أشبه منهم بآبائهم ، فلكُل زمن وَضْعه وارتقاءاته ، وأنت تتحكم في ولدك ما دام صغيراً ، فيأكل الولد ويشرب ويلبس حَسْب ما تحب أنت ، فإذا ما شبَّ وكَبِر صارتْ له شخصيته الخاصة وفِكْره المستقِلّ ، فيختار هو مَأكله ومَلْبسه ، والكلية التي يدخلها ، وربما انتقدكَ في بعض الأمور . إذن : هؤلاء قلَّدوا آباؤهم في هذه المسألة دون غيرها ، فلماذا مسألة الإيمان بالذات تتمسَّكون فيها بالتقليد ؟ ولو أن كُلَّ جيل جاء صورة طِبْق الأصل لسابقه لما تغيَّر وَجْه الحياة ، ففي هذا دلالة على أن لكل جيل ذاتيته المستقلة وفِكْره الخاص . لقد قلَّد هؤلاء آباءهم في هذه العبادة دون غيرها من الأمور لأنها عبادة وتديُّن بلا تكليف ، وآلهة بلا منهج ، لا تُضيِّق عليهم في شيء ، ولا تمنعهم شيئاً مما أَلِفُوه من الشهوات ، فهو تديُّن بلا تَبِعة . لذلك فالحق سبحانه يردُّ عليهم في أسلوبين مختلفين ، فمرة يقول تعالى : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّبِعُوا مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَآ أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَآءَنَآ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ } [ البقرة : 170 ] . وفي موضع آخر يقول : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَإِلَى ٱلرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَآ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ } [ المائدة : 104 ] . ونلحظ أن عَجُزَ الآيتين مختلف ، فمرة : { لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً … } [ البقرة : 170 ] ومرة : { لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً … } [ المائدة : 104 ] فلماذا ؟ قالوا : لأن عَجُزَ كل آية مناسب لصَدْرها ، وصَدْر الآيتين مختلف ، ففي الأولى قالوا : { بَلْ نَتَّبِعُ مَآ أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَآءَنَآ … } [ البقرة : 170 ] فيمكن أن نتبع هذا أو هذا ، دون أنْ يقصروا أنفسهم على شيء واحد . وفي الثانية قالوا : { حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَآ … } [ المائدة : 104 ] يعني : يكفينا ، ولا نريد زيادة عليه ، فَقصَروا أنفسهم على ما وجدوا عليه آباؤهم . لذلك قال في عَجُز الأولى : { لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً … } [ البقرة : 170 ] وفي عَجُز الثانية { لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً … } [ المائدة : 104 ] لأن العاقل هو الذي يهتدي إلى الأمر بذاته . أمّا الذي يعلم فيعلم ما عَقِله هو ، وما عَقِله غيره ، إذن : فدائرة العلم أوسع من دائرة العقل لأن العقل يهتدي للشيء بذاته ، أمَّا العلم فيأخذ اهتداء الآخرين . فكان ردُّهم : { قَالُوۤاْ أَجِئْتَنَا … } .