Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 21, Ayat: 7-7)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الحق - تبارك وتعالى - يردُّ على اعتراضهم على بشرية الرسول وطلبهم أن يكون الرسول ملكاً ، كما قالوا في موضع آخر : { أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا … } [ التغابن : 6 ] . يعني : هم مثلنا ، وليسوا أفضل منَّا ، فكيف يهدوننا ؟ ! وهل الرسول يهديكم ببشريته ؟ أم بشيء جاءه من أعلى ؟ هل منهجه من عنده ؟ الرسول ليس مُصلِحاً اجتماعياً ، إنما هو مُبلِّغ عن الله ربي وربكم . وقد سبقت السوابق فيمَنْ قبلكم أن يكون الرسول بشراً { وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِيۤ إِلَيْهِمْ … } [ الأنبياء : 7 ] ولو أرسلنا إليهم مِلَكَاً لجاءكم الرسول مَلَكاً . { فَاسْئَلُوۤاْ أَهْلَ ٱلذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } [ الأنبياء : 7 ] وهم اليهود والنصارى ، ماذا أرسلنا إليهم أرجالاً أم ملائكة ؟ ذلك لأن المفروض في النبي أن يكون قدوة لقومه وأُسْوة ، مُبلِّغَ منهج ، وأُسْوةَ سلوك ، منهج يحققه عن الله ، ثم يُطبِّقه على نفسه ، فهو لا يحمل الناس على أمر هو عنه بنَجْوة ، إنما هو أُسْوتهم وقُدْوتهم ، وشرط أساسي في القدوة أنْ يتحد فيها الجنس : المتأسِّي مع المتأسَّى به . فلو رأيت مثلاً في الغابة أسداً يصول ويجول ويفترس ، هل تفكر في يوم ما أن تكون أسداً ؟ هل تأخذ الأسد لك أُسْوة ؟ ! لا ، لأنه يُشترط في أُسْوتك أن يكون من جنسك ، فإذا رأيتَ فارساً على جواده يصول ويجول ويضرب في الأعداء يميناً وشمالاً ، لا شكَّ أنك تود أن تكون مثله . كذلك إذا جاء النبي مَلَكاً ، والملائكة لا يعصون الله ما أمرهم ، ويفعلون ما يُؤْمرون ، إنما نحن بشر ، ولو جاءنا الرسول ملكاً لجاءنا في صورة بشرية . يقول تعالى : { وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن يُؤْمِنُوۤاْ إِذْ جَآءَهُمُ ٱلْهُدَىٰ إِلاَّ أَن قَالُوۤاْ أَبَعَثَ ٱللَّهُ بَشَراً رَّسُولاً * قُل لَوْ كَانَ فِي ٱلأَرْضِ مَلاۤئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَلَكاً رَّسُولاً } [ الإسراء : 95 ] . ويردُّ الحق سبحانه عليهم : { وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ } [ الأنعام : 9 ] . وهكذا تظل الشبهة موجودة . إذن : لا يمكن أن يكون الرسول للبشر إلا من البشر . ونعم ، محمد بشر لكن بشر يُوحَى إليه ، كما جاء في الحديث الشريف : " يرد عليَّ - يعني من الحق الأعلى - فأقول : أنا لست كأحدكم ، ويُؤخَذ مني فأقول : ما أنا إلا بشر مثلكم " . وقوله : { فَاسْئَلُوۤاْ أَهْلَ ٱلذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } [ الأنبياء : 7 ] أي : إنْ كنتم في شكٍّ من هذه المقولة فاسألوا أهل الذكر من السابقين : اليهود والنصارى أهل الكتاب . وقال : { إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } [ الأنبياء : 7 ] لأنها مسألة عِلْمُها مشكوك فيه . ثم يقول الحق سبحانه : { وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَداً … } .