Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 21, Ayat: 85-85)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلنا : إن سورة الأنبياء لا تذكر قصَصاً كاملاً للأنبياء ، إنما تعطينا طَرَفاً منها ، وهنا تذكر إسماعيل وإدريس وذا الكفل بالاسم فقط . ثم يقول تعالى : { كُلٌّ مِّنَ ٱلصَّابِرِينَ } [ الأنبياء : 85 ] كأن الصبر في حَدِّ ذاته حيثية يُرسل الله من أجلها الرسول ، ولنتأمل الصبر عند إسماعيل ، وكيف أنه صبر على أنْ يذبحه أبوه برؤيا رآها ، فأيُّ صبر أعظم من هذا ؟ ثم يعيش في صِغَره - وحتى كبر - في وَادٍ غير ذي زرع ، ويتحمل مشاق هذه البيئة الجافة المجْدِبة ، ويخضع لقول الله تعالى : { رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ … } [ إبراهيم : 37 ] . وكأن في خروجه من هذه الأرض وطلبه لأرض أخرى فيها النعيم والزروع والثمار تأبّياً على إقامة الصلاة لذلك نراه يُفضّل البقاء في هذا المكان ، ويزهد في نعيم الدنيا الذي يتمتع به غيره امتثالاً لأمر الله . وتكون النتيجة أنْ أعطاه الله ما هو خَيْر من الزروع والثمار ، أعطاه عطاءً يفخر به بين جميع الأنبياء ، هو أنه جعل من نسله النبي الخاتم محمد بن عبد الله ، وأيُّ ثمرة أحسن من هذه ؟ وإدريس : وهو من الجيل الخامس من أولاد آدم عليه السلام ، وبعض العلماء يقولون هو " أوزوريس " ، ونحن لا نقول إلا ما قاله القرآن إدريس وأهل السير يقولون : إن نبي الله إدريس أول مَنْ علّمه الله غزل الصوف وخياطة الملابس ، وكانوا قبلها يسترون عوراتهم بقطع الجلود . وهو أول مَن استخدم النجوم لمعرفة الاتجاهات والأحوال ، وأول مَنْ خط بالقلم ، هذه يُسمُّونها أوليات إدريس . وذا الكفل : الكِفْل هو الحظ والنصيب ، فلماذا سُمِّي " ذو الكفل " ؟ ذو الكفل ابن أيوب عليه السلام ، ويظهر أن أولاد أيوب كانوا كثيرين ، إنما اختص الله ذا الكفل بالرسالة ، وكان هذا حظه دون غيره من أبناء أيوب لذلك سُمِّي " ذو الكفل " . وقد جاءت هذه المادة كَفَل أيضاً في قوله الحق سبحانه وتعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَآمِنُواْ بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ … } [ الحديد : 28 ] . جاءت هذه الآية بعد الكلام عن عيسى - عليه السلام - والذين آمنوا به واتبعوه ، يقول تعالى : يا مَنْ آمنتم بالرسل السابقين ، وآخرهم عيسى - عليه السلام - آمنوا بالرسول الخاتم ليكون لكم كفلان أي : نصيبان وحظَّان من رحمةَ الله ، نصيبٌ لإيمانكم بعيسى ، ومَنْ سبقه من الرسل ، ونصيبٌ لإيمانكم بمحمد صلى الله عليه وسلم . ثم يقول تعالى في وصفهم { كُلٌّ مِّنَ ٱلصَّابِرِينَ } [ الأنبياء : 85 ] فوصف كلّ الأنبياء بالصبر لأنهم تعرَّضوا لأنواع الاضطهاد والإيذاء والأهوال في سبيل دعوتهم ، وصبروا على هذا كله .