Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 23, Ayat: 21-21)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الأنعام : يُراد بها الإبل والبقر ، وألحق بالبقر الجاموس ، ولم يُذكَر لأنه لم يكُنْ موجوداً بالبيئة العربية ، والغنم وتشمل الضأن والماعز ، وفي سورة الأنعام يقول تعالى : { ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مَّنَ ٱلضَّأْنِ ٱثْنَيْنِ وَمِنَ ٱلْمَعْزِ ٱثْنَيْنِ … } [ الأنعام : 143 ] . ويقال فيها : أنعام ونَعَم بفتح النون والعين . والعبرة : شيء تعتبرون به وتستدلُّون به على قدرة الله وبديع صُنْعه في خَلْق الأنعام . لكن ، ما العبرة في خَلْق هذه الأنعام ؟ الحق - سبحانه وتعالى - تكلَّم عن خَلْق الإنسان ، وأنه تعالى خلقه من صفوة وخلاصة وسلالة من الطين ومن النطفة ، وهكذا في جميع أطوار خَلْقه . وفي الأنعام ترى شيئاً من هذا الاصطفاء والاختيار ، فالأنعام تأكل من هنا وهناك وتجمع شتى الأنواع من المأكولات ، ومن هذا الخليط يخرج الفَرْث ، وهو مُنتِن لا تطيق رائحته ويتكون دم الحيوان ، ومن بين الفَرْث والدم يُصفِّي لك الخالق - عز وجل - لبناً خالصاً ، وهذه سلالة أيضاً وتصفية . قال تعالى : { وَإِنَّ لَكُمْ فِي ٱلأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَناً خَالِصاً سَآئِغاً لِلشَّارِبِينَ } [ النحل : 66 ] . ونلحظ أن الآية التي معنا تقول : { نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِي بُطُونِهَا } [ المؤمنون : 21 ] وفي آية النحل : { نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِي بُطُونِهِ } [ النحل : 66 ] ذلك لأننا نأخذ اللبن من إناث الأنعام ليس من كل الأنعام ، فالمعنى { مِّمَّا فِي بُطُونِهَا } [ المؤمنون : 21 ] أي : الإناث منها و { مِّمَّا فِي بُطُونِهِ } [ النحل : 66 ] أي : بطون البعض ولذا عاد الضمير مذكراً . وقوله : { نُّسْقِيكُمْ } [ المؤمنون : 21 ] من سقى ، وفي موضع آخر { فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ } [ الحجر : 22 ] من الفعل أسقى . البعض يقول إنهما مترادفان ، وهما ليسا كذلك لأن لكل منهما معنى ، فسقى يعني : أعطاه الشراب ، أمَّا أسقى فيعني جهز له ما يشربه لحين يحب أن يشرب . لذلك لما تكلَّم الحق سبحانه عن شراب الجنة ، قال : { وَحُلُّوۤاْ أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً } [ الإنسان : 21 ] . ولما تكلم عن ماء المطر قال سبحانه : { وَأَرْسَلْنَا ٱلرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَآ أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ } [ الحجر : 22 ] يعني : جعله في مستودع لحين الحاجة إليه . كما قلنا في مُرضِع بالكسر ، و مُرضَع بالفتح ، فمرضع بالكسر للتي ترضع بالفعل ، ومنه قوله تعالى : { يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّآ أَرْضَعَتْ } [ الحج : 2 ] . أما مرضَع بالفتح ، فهي الصالحة للرضاعة . ثم يقول تعالى : { وَلَكُمْ فيِهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } [ المؤمنون : 21 ] نلحظ أن آية النحل ركزت على مسألة تصفية اللبن من بين فَرْث ودم ، أما هنا فقد ركزت على منافع أخرى للأنعام ، فكل آية تأخذ جانباً من الموضوع ، وتتناوله من زاوية خاصة ، نوضح ذلك لمن يقولون بالتكرار في القرآن الكريم ، فالآيات في الموضوع الواحد ليست تكراراً ، إنما هو تأسيس بلقطات مختلفة ، كل لقطة تؤدي في مكانها موقعاً من العِظَة والعبرة ، بحيث إذا جمعتَ كل هذه المكررات الظاهرة تعطيك الصورة الكاملة للشيء . والمنافع في الأنعام كثيرة : منها نأخذ الصوف والوبر ، وكانوا يصنعون منه الملابس والفرش والخيام ، قبل أن تُعرف الملابس والمنسوجات الحديثة ، ومن ملابس الصوف سُميت الصوفية لمَنْ يلبسون الثياب الخشنة ، وهم الآن يصنعون من الصوف ملابس ناعمة كالحرير يرتديها المترفون . ومن منافع الأنعام أيضاً الجلود والعظام وغيرها ، يقول تعالى : { وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُمْ مِّن جُلُودِ ٱلأَنْعَامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَآ أَثَاثاً وَمَتَاعاً إِلَىٰ حِينٍ } [ النحل : 80 ] . { وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } [ المؤمنون : 21 ] أي : لحماً ، وذكر اللحم في آخر هذه المنافع لأنه آخر ما يمكن الانتفاع به من الحيوان ، وسبق أنْ ذكرنا أن الحيوان الذي أحلّه الله لنا إذا تعرض لما يزهق روحه ، فإنه يرفع لك رقبته ، ويكشف لك عن موضع ذَبْحه كأنه يقول لك : أسرع واستفد مني قبل أنْ أموت . وفي لقطة أخرى لمنافع الأنعام يقول سبحانه : { وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَىٰ بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ ٱلأَنفُسِ } [ النحل : 7 ] إذن : كل آية تحدثت عن الأنعام تعطينا فائدة لتظل مربوطاً بالقرآن كله .