Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 23, Ayat: 52-52)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
بعد أن تكلَّم الحق - سبحانه وتعالى - عن المعركة بين الإيمان والكفر أراد هنا أن يتكلم عن معركة أخرى لا تقلّ خطورة عن الأولى ، وهي معركة الفُرْقة والاختلاف بين صفوف المؤمنين ، ليحذرنا من الخلافات التي تشقُّ عصانا ، وتفُتُّ في عَضُد الأمة وتُضِعفها أمام أعدائها ، ونسمعهم الآن يقولون عنَّا بعدما وصلنا إليه من شيع وأحزاب - ليتفقوا أولاً فيما بينهم ، ثم يُبشِّروا بالإسلام . الأمة : الجماعة يجمعهم زمن واحد أو دين واحد ، وتُطلَق على الفرد الواحد حين تجتمع فيه خصال الخير التي لا تجتمع إلا في أمة ، لذلك سمَّى الله تعالى نبيه إبراهيم أمة في قوله تعالى : { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } [ النحل : 120 ] . أما قوله سبحانه : { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً … } [ المائدة : 48 ] فكيف نقول : إنها أمة واحدة ؟ قالوا : لأن الدين يتكّون من أصول وعقائد ، وهذه واحدة لا تختلف باختلاف الأديان ، وأخلاق وفروع . وهذه تختلف من دين لآخر باختلاف البيئة لأنها تأتي بما يناسب حركة الحياة في كل عصر . يقول تعالى : { شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحاً وَٱلَّذِيۤ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ أَنْ أَقِيمُواْ ٱلدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ … } [ الشورى : 13 ] . إذن : فالأمة واحدة يعني في عقائدها وإن اختلفتْ في الشريعة والمنهج ، والأحكام الجزئية التي تتعرض لأقضية الحياة . ومن ذلك قوله تعالى : { وَلأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ ٱلَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ … } [ آل عمران : 50 ] . وكانوا في الأمم السابقة إذا وقعت نجاسة على ثوب يقطعون الموضع الذي وقعت عليه ، فلما جاء الإسلام خفَّف عن الناس هذا العَنت ، وشرع لهم أنْ يغسلوه فيطهر . وما دام أن أمتكم أمة واحدة { وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَٱتَّقُونِ } [ المؤمنون : 52 ] يعني : اتقوا الله في هذه الأمة الواحدة وأبقوا على وحدتها ، واحذروا ما يُفرِّقها من خلافات حول فروع إن اختلف البعض عليها اتهموا الآخرين بالكفر لأنهم يريدون أنْ يَنْهبوا من الدين الجامع سلطة زمنية لأنفسهم . والحق - تبارك وتعالى - يقول : { إِنَّ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ … } [ الأنعام : 159 ] . فالأمور التي أحكمها الله باللفظ الصريح المُحْكَم أصول لا خلافَ عليها ولا اجتهادَ فيها ، وأما الأمور التي تركها سبحانه للاجتهاد فيجب أن نحترم فيها اجتهاد الآخرين ، وإلا لو أراد الحق سبحانه لجعل الأمر كله مُحْكماً لا مجالَ فيه لرأي أو اجتهاد . ومعنى { وَأَنَاْ رَبُّكُمْ … } [ المؤمنون : 52 ] أن من عطاء ربوبيتي أنْ جعلْتُ لكم أموراً محكمة وعقائد ثابتة لأن الاختلاف فيها يفسد المجتمع ، وتركتُ لكم أموراً أخرى تأتون بها أو تتركونها ، كُلٌّ حسب اجتهاده لأن الاختلاف فيها لا يترتب عليه فساد في المجتمع ، وسبق أن مثَّلنا لهذه الأمور . وقوله : { فَٱتَّقُونِ } [ المؤمنون : 52 ] يعني : بطاعة الأمر ، فما أحكمتُه فأَحْكِموه ، وما جعلتُ لكم فيه اجتهاداً فاقبلوا فيه اجتهاد الآخرين . لكن ، هل سمعنا قوْل الله وأطعْنَا ؟ يقول سبحانه : { فَتَقَطَّعُوۤاْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً … } .