Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 24, Ayat: 51-51)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فما دُمْت قد آمنتَ ، والإيمان لا يكون إلا عن رغبة واختيار لا يجبرك أحد عليه ، فعليك أن تحترم اختيار نفسك بأنْ تطيعَ هذا الاختيار ، وإلا سفَّهتَ رأيك واختيارك ، لذلك كان حال المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله أن يقولوا : سمعنا وأطعنا . ولو تأملتَ الكون من حولك لوجدتَهُ يسير على هذه القاعدة ، فما دون الإنسان في كَوْن الله مُسيَّر لا مُخيَّر ، وإنْ كان الأصل أنه خُيِّر أولاً ، فاختار أن يكون مُسيّراً من البداية ، وأراح نفسه ، كما قال سبحانه : { إِنَّا عَرَضْنَا ٱلأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا … } [ الأحزاب : 72 ] . وتصدير الآية الكريمة بـ إنما يدل على أنها سبقها مقابل ، هذا المقابل على النقيض لما يجيء بعدها ، فالمنافقون أعرضوا وردُّوا حكم الله ورسوله ، والمؤمنون قالوا سمعنا وأطعنا ، كما تقول : فلان كسول إنما أخوه مُجِدٌّ . فقول المنافقين أنهم لا يقبلون حكم الله ورسوله ، أمّا المؤمنون فيقبلون حكْم الله ورسوله . ومعنى { سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا … } [ النور : 51 ] يعني : سمعنا سمعاً واعياً يليه إجابة وطاعة ، لا مجرد أنْ يصل الصوت إلى أذن السامع دون أن يُؤثر فيه شيء . ويقول تعالى في موضع آخر : { وَإِذَا سَمِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَى ٱلرَّسُولِ تَرَىۤ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ ٱلْحَقِّ … } [ المائدة : 83 ] . فالسمع له وظيفة ، وهو هنا بمعنى : أجَبْنا يا رب ، وصممنا على الإجابة ، وهذا وعد كلامي يتبعه تنفيذ وطاعة . مثل قولنا في الصلاة : سمع الله لمن حمده ، يعني : أجاب الله مَنْ حمده . { وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } [ النور : 51 ] المفلحون : الفائزون الذين بلغوا درجة الفلاح ، ومن العجيب أن يستخدم الحق سبحانه كلمة الفلاح ، وهي من فلاحة الأرض لأن الفلاحة في الأرض هي أصل الاقتيات ، وكل مَنْ أتقن فلاحة أرضه جاءت عليه بالثمرة الطيبة ، وزاد خيره ، وتضاعف محصوله ، حتى إن حبة القمح تعطي سبعمائة حبة ، فإذا كانت الأرض وهي مخلوقة لله تعالى تعطي من يزرعها كل هذا العطاء ، فما بالك بخالق الأرض كيف يكون عطاؤه ؟ ثم يقول الحق سبحانه : { وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ … } .