Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 25, Ayat: 57-57)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

في آية أخرى : يقول تعالى : { أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ } [ الطور : 40 ] . يعني : غير قادرين على دَفْع الثمن لأنهم بخلاء وعندهم كزازة ؟ أو لا يريدون أنْ يُخرِجوا من جيوبهم شيئاً تنتفع أنت به ؟ مع أنك لم تسألهم أجراً ، فهل يعني ذلك أن النبي كان من المفروض أن يسألهم أجراً ؟ قالوا : نعم لأنه إذا قدَّم إنسانٌ لإنسان شيئاً نافعاً ، فعليه أن يدفع له أجراً بمقتضى التبادل والمعاوضة ، وكأنه صلى الله عليه وسلم يقول لهم : لقد قدَّمتُ إليكم جميلاً يفترض أن لي عليه أجراً ، لكني لا أريد منكم أجراً ، والمسألة من عندي تفضُّل . وما هو الأجر ؟ الأجر : جُعْلٌ يقابل عملاً ، والثمن : جعل يقابل تملُّكاً ، وقيمة هذا الجُعْل تختلف باختلاف مشقة العمل ، وطُول زمنه ، ومهارة العامل فيما يقتضيه العمل ومخاطر ما يقتضيه العمل . فكل مسألة من هذه ترفع من قيمة الأجر ، فحين تسافر مثلاً تحتاج إلى شيَّال يحمل لك الحقائب ، فتعطيه الأجر الذي يتناسب ومجهوده ، فإن استأجرت سيارة وسِرْتَ بها مسافة فلا بُدَّ أن الأجر سيزيد لأنه أخَذ مجهوداً ووقتاً أكثر ، فإن احتجتَ مثلاً سباكاً ليصلح لك شيئاً فسوف ترى ما في هذا العمل من المشقة ، ولا تبخل عليه بأكثر من سابقيه . وربما كان العمل في نظرك بسيطاً لا يستغرق وقتاً ، لكنه يحتاج إلى مهارة . هذه المهارة ليست وليدة اللحظة ، ولكنها مجهود ونتيجة عوامل من التعلُّم والخبرة حتى وصل صاحبها إلى هذه المهارة . فالمهندس مثلاً الذي يُصمِّم لك منزلك في ساعة أو ساعتين ، ومع ذلك يطلب مبلغاً كبيراً ، لماذا ؟ لأنه لا يتقاضى أجراً على هذا الوقت ، إنما على سنواتٍ طويلة من الدراسة والمجهود والتحصيل ، حتى وصل إلى هذه المهارة . إذن : كل أجر يُقدَّر بما يقابله من عمل ، ويتناسب مع ما يقتضيه العمل من وقت ومجهود ومشقة ومخاطرة ومهارة … ألخ . وإذا كان الأمر كذلك فانظروا إلى عمل الرسول وإلى مدى إفادتكم من رسالته ، انظروا إلى المنهج الذي جاءكم به ، وكيف أنه يريحكم مع أنفسكم ، ويريحكم مع المجتمع ، ويريحكم مع ربكم عز وجل ، ويريحكم من شرور أنفسكم ، ومن شرور الناس جميعاً . إذن : للرسول عمل كبير ومجهود عظيم ، لو قدَّرْتَ له أجراً لكان كذلك عظيماً . إن الإنسان إذا أَجَّر مثلاً حارساً يحرسه بالليل ، كم يدفع له ؟ فالنبي يأتيك بمنهج يحرسك ويحميك في نفسك وفي مالك وفي عِرْضك وفي كل ما تملك ، ولا يحميك من فئة معينة إنما يحميك من الناس أجمعين . بل إن حماية منهج الله لك لا تقتصر على الدنيا ، إنما تتعدَّى إلى الآخرة ، فتحميك فيها حماية ممتدة لا نهايةَ لها ، فإنْ قدَّرْت لهذه الحماية أجراً ، فكم يكون ؟ إنما أنا أقول لك : لا أريد أجراً ، لا كراهيةً في الأجر ، بل لأنك أنت أيها الإنسان لا تستطيع تقدير هذا العمل أو تقييم الأجر عليه ، أمَّا الذي يُقدِّر ذلك فهو ربِّي الذي بعثني ، وأنت أيها العبد مهما قدَّمْتَ لي من أجر على ذلك فهو قليل . وحكينا قصة الرجل الطيب الذي قابلناه في الجزائر ، يقف على الطريق يُلوِّح لسيارة تحمله ، فوقفنا وفتحنا له الباب ليركب معنا ، وقبل أن يركب قال : بكَمْ ؟ يعني : الأجرة . فقال له صاحبي : لله ، فقال الرجل : إذن فهي غالية جداً . هذا هو المعنى في قوله تعالى : { إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ … } [ هود : 29 ] . وفي موضع آخر يقول سبحانه : { إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } [ يونس : 72 ] فما العلاقة بين الأجر وبين { وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } [ يونس : 72 ] ؟ كأن المسلم ينبغي عليه أن يعمل العمل ، لا لمن يعمل له ، ولكن يعمله لله ليأخذ عليه الأجر الذي يناسب هذا العمل من يده تعالى ، إنما إنْ أخذه من صاحبه فهو كالذي " فعل ليقال وقد قيل " وانتهتْ المسألة ، وربما حتى لا يُشكر على عمله . لذلك وردتْ هذه العبارة على ألسنة كل الرسل : { وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ … } [ الشعراء : 109 ] وليس هناك آية طلب فيها الأجر الظاهر إلا هذه الآية التي نحن بصددها : { قُلْ مَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلاَّ مَن شَآءَ أَن يَتَّخِذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلاً } [ الفرقان : 57 ] . وقوله تعالى : { إِلاَّ ٱلْمَوَدَّةَ فِي ٱلْقُرْبَىٰ … } [ الشورى : 23 ] . ومعنى : { إِلاَّ مَن شَآءَ أَن يَتَّخِذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلاً } [ الفرقان : 57 ] أي : سبيلاً للمثوبة ، وسبيلاً للأجر من جهاد في سبيل الله ، أو صدقة على الفقراء … إلخ . وقوله : { إِلاَّ مَن شَآءَ … } [ الفرقان : 57 ] تدل على التخيير في دَفْع الأجر ، فالرسول لا يأخذ إلا طواعية ، والأجر : { أَن يَتَّخِذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلاً } [ الفرقان : 57 ] من الجهاد والعمل الصالح ، فكأن أجر الرسول العمل للغير ، لتأخذ أنت الأجر من الله ، فالرسول لا يأخذ شيئاً لنفسه . ونلحظ في آيات الأَجْر أنها جاءت مرة { أَجْراً … } [ الأنعام : 90 ] ومرة { مِنْ أَجْرٍ … } [ الفرقان : 57 ] و البعض يرى أن من هنا زائدة ، وهذا لا يُقال في كلام الله ، عَيْب أن نتهم كلام الله بأن فيه زيادة ، فكلُّ حرف فيه له معناه . وسبق أن ضربنا لمِنْ هذه مثلاً بقولنا : ما عندي مال ، وما عندي من مال . فالأولى نفَتْ أنْ يكون عندك مالٌ يُعتدُّ به ، لكن قد يكون عندك القليل منه ، أما القول الثاني فيعني نَفْي المال مطلقاً بدايةً مِمَّا يقال له مال ، إذن : فأيّهما أبلغ في النفي ؟ فمِنْ هنا تفيد العموم . لذلك يقول تعالى : { أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ … } [ المؤمنون : 72 ] لماذا ؟ لأنه سيعطيك ويُكافئك على قَدْره هو ، وبما يناسب جُودَه تعالى وكرمه الذي لا ينفد ، أما الإنسان فسيعطيك على قَدْره وفي حدود إمكاناته المحدودة . مَلْحظ آخر في هذه المسألة في سورة الشعراء ، وهي أحفَلُ السُّور بذِكْر مسألة الأجر ، حيث تعرَّضَتْ لموكب الرسل ، فذكرت ثمانية هم : موسى وهارون وإبراهيم ونوح وهود وصالح ولوط وشعيب . تلحظ أن كل هؤلاء الرسل قالوا : { إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَىٰ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [ الشعراء : 109 ] عدا إبراهيم وموسى عليهما السلام لم يقولا هذه الكلمة ، لماذا ؟ قالوا : لأنك حين تطلب أجراً على عمل قمتَ به لا يكون هناك ما يُوجب عليك أنْ تعمل له مجاناً ، فأنت لا تتقاضى أجراً إنْ عملتَ مثلاً مجاملةً لصديق ، وكذلك إبراهيم - عليه السلام - أول ما دعا إلى الإيمان دعا عمه آزر ، ومثل هذا لا يطلب منه أجراً ، وموسى عليه السلام أول ما دعا دعا فرعون الذي احتضنه وربَّاه في بيته ، ولو طلب منه أجراً لقال له : أيّ أجر وقد ربَّيتك وو … إلخ . الآية الأخرى في الاستثناء هي قوله تعالى : { قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ ٱلْمَوَدَّةَ فِي ٱلْقُرْبَىٰ … } [ الشورى : 23 ] فكأن المودة في القربى أجر لرسول الله صلى الله عليه وسلم على رسالته ، لكن أيُّ قُرْبى : قُرْبى النبي أم قُرْباكم ؟ لا شكَّ أن النبي الذي يجعل حُبَّ القريب للقريب ورعايته له هو أجره ، يعني بالقُرْبى قُرْبى المسلمين جميعاً ، كما قال عنه ربُّه عَزَّ وجَلَّ : { ٱلنَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ … } [ الأحزاب : 6 ] .