Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 25, Ayat: 72-72)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الزُّور : الشيء الكذب ، ويُزوِّر في الشهادة . أي : يُثبت الحق لغير صاحبه ، لكن نلاحظ أن الآية لم تقُلْ : والذين لا يشهدون بالزور ، مما يدلّ على أن للآية معنى أوسع من النطق بقول الزور في مجال التقاضي ، حيث تقول عند القاضي : فلان فعل وهو لم يفعل . فللشهادة معنى آخر : أي : لا يحضرون الزور ، والزور كلُّ مَا خالف الحق ، ومنه قوله تعالى في شهر رمضان : { فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ … } [ البقرة : 185 ] . فمعنى : { لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ … } [ الفرقان : 72 ] أي : لا يحضرون الباطل في أيّ لون من ألوانه قولاً أو فعلاً أو إقراراً ، وكل ما خالف الحق . لذلك يقول الحق سبحانه في موضع آخر : { وَإِذَا سَمِعُواْ ٱللَّغْوَ أَعْرَضُواْ عَنْهُ وَقَالُواْ لَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لاَ نَبْتَغِي ٱلْجَاهِلِينَ } [ القصص : 55 ] . ويقول سبحانه : { وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ ٱلشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ ٱلذِّكْرَىٰ مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } [ الأنعام : 68 ] . وقال تعالى : { وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي ٱلْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ ٱللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ … } [ النساء : 140 ] . ومعلوم أن قَوْل الزور والشهادة بغير حق تقلب الحقائق وتضرُّ بالمجتمع لأنك حين تشهد بالزُّور تأخذ الحق من صاحبه وتعطيه لغيره ، وهذا يؤدي إلى تعطل حركة الحياة ، وتجعل الإنسان لا يأمن على ثمار تعبه وعرقه ، فيحجم الناس عن السعي والعمل ما دامت المسألة زوراً في النهاية . لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : " ألا أُنبئكم بأكبر الكبائر ؟ الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين ، وشهادة الزور ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئاً فجلس ، فما زال يكررها حتى قلنا : ليته سكت " . لماذا ؟ لأن شهادة الزُّور تهدم كُلَّ قضايا الحق في المجتمع . ثم يقول سبحانه : { وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً } [ الفرقان : 72 ] اللغو : هو الذي يجب في عُرْف العاقل أنْ يُلْغى ويُتْرك ، وهو الهُراء الذي لا فائدة منه لذلك قال فيمن يتركه { مَرُّوا كِراماً } [ الفرقان : 72 ] والكرام يقابلها اللئام ، فكأن المعنى : لا تدخل مع اللئام مجالَ اللغو والكلام الباطل الذي يُصادِم الحق ليصرف الناس عنه . ومن ذلك ما حكاه القرآن عن الكفار ليصرفوا الناس عن الاستماع لآيات الذكر : { لاَ تَسْمَعُواْ لِهَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ وَٱلْغَوْاْ فِيهِ … } [ فصلت : 26 ] يعني : شوِّشوا عليه حتى لا يتمكّن الناس من سماعه ، وهذه شهادة منهم بأنهم لو تركوا آذان الناس على طبيعتها وسجيتها فسمعت القرآن ، فلا بُدَّ أن ينفعلوا به ، وأن يؤمنوا به ، ولو لم يكُنْ للقرآن أثر في النفوس ما قالوا هذه المقولة . وقولهم : { وَٱلْغَوْاْ فِيهِ … } [ فصلت : 26 ] يعني : وإنْ سمعتموه يُقرأ فالْغوْا فيه ، وشوِّشوا عليه ، حتى لا يصل إلى الآذان ، لماذا ؟ ألم يؤمن سيدنا عمر لما سمع آيات منه في بيت أخته فاطمة ؟ لكن لماذا أثّر القرآن في عمر هذه المرة بالذات ، وقد سمعه كثيراً فلم يتأثر به ؟ قالوا : لأن اللجج والعناد يجعل الإنسان يسمع غير سامع ، أما سماع عمر هذه المرة ، فكان بعد أن ضرب أخته فشجَّها ، وسال منها الدم ، فحرّك فيه عاطفة الأخوة وحنانها ، ونفض عنه الكبرياء والعناد واللجاج ، فصادف القرآنُ منه نفساً صافية ، وقلباً خالياً من اللدد للإسلام فأسلم . ألاَ ترى الكفار يقول بعضهم لبعض عند سماع القرآن - كما حكاه القرآن : { وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّىٰ إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ قَالُواْ لِلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفاً … } [ محمد : 16 ] . يعني : ما معنى ما يقول ، أو : ما الجديد الذي جاء به ، وهذا على وجه التعجُّب منهم . فيردّ القرآن : { قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ هُدًى وَشِفَآءٌ وَٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ فِيۤ آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى … } [ فصلت : 44 ] . إذن : فالقرآن واحد ، لكن المُسْتقبِل له مختلف : هذا استقبله بنفس صافية راضية ، وهذا استقبله بلَدد وقلب مُغْلق ، فكأنه لم يسمع ، فالمسألة مسألة فِعْل وقابل للفِعْل ، وسبق أن مثَّلنا لذلك بمَنْ ينفخ في يده أيام البرد والشتاء بقصد التدفئة ، وينفخ في كوب الشاي مثلاً بقصد التبريد ، فالفعل واحد ، لكن المستقبِل مختلف . ثم يقول الحق سبحانه : { وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ … } .