Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 25, Ayat: 75-75)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ أُوْلَـٰئِكَ … } [ الفرقان : 75 ] خبر عن عباد الرحمن الذين تقدمتْ أوصافهم ، فجزاؤهم { يُجْزَوْنَ ٱلْغُرْفَةَ … } [ الفرقان : 75 ] وجاءت الغرفة مفردةً مع أنهم متعددون ، يحتاج كل منهم إلى غرفة خاصة به . قالوا لأن الغرفة هنا معناها المكان العالي الذي يشتمل على غرفات ، كما قال تعالى : { إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ جَزَآءُ ٱلضِّعْفِ بِمَا عَمِلُواْ وَهُمْ فِي ٱلْغُرُفَاتِ آمِنُونَ } [ سبأ : 37 ] . وهذا الجزاء نتيجة { بِمَا صَبَرُواْ … } [ الفرقان : 75 ] صبروا على مشاقِّ الطاعات ، وقد أوضح النبي صلى الله عليه وسلم هذه المسألة بقوله : " حُفَّتْ الجنة بالمكاره ، وحُفَّتْ النار بالشهوات " . فالجنة تستلزم أن أصبر على مشاقِّ الطاعات ، وأن أُقدِّر الجزاء على العمل ، وأستحضره في الآخرة ، فإنْ ضِقْتَ بالطاعات وكذَّبْتَ بجزاء الآخرة ، فَلِمَ العمل إذن ؟ ومثَّلْنا لذلك بالتلميذ الذي يجدّ ويجتهد في دروسه ، لأنه يستحضر يوم الامتحان ونتيجته ، وكيف سيكون موقفه في هذا اليوم ، إذن : لو استحضر الإنسانُ الثوابَ على الطاعة لَسهُلَتْ عليه وهانتْ عليه متاعبها ، ولو استحضر عاقبة المعصية وما ينتظره من جزائها لابتعد عنها . فالتكاليف الشرعية تستلزم الصبر ، كما قال تعالى : { وَٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى ٱلْخَاشِعِينَ } [ البقرة : 45 ] . فالحق - تبارك وتعالى - يريد منّا ألاَّ نعزل التكاليف عن جزائها ، بل ضَعِ الجزاء نُصْب عينيك قبل أنْ تُقدِم على العمل . لذلك النبي صلى الله عليه وسلم يسأل أحد صحابته : " " كيف أصبحتَ يا حارثة " فيقول : أصبحتُ مؤمناً حقاً ، فقال : " إنَّ لكل حقّ حقيقة ، فما حقيقة إيمانك " . قال : عزفتْ نفسي عن الدنيا ، حتى استوى عندي ذهبها ومدرها ، وكأني أنظر إلى أهل الجنة في الجنة يُنعَّمون ، وإلى أهل النار في النار يُعذَّبون " . فالمسألة - إذن - في نظرهم لم تكُنْ غيباً ، إنما مشاهدة ، كأنهم يرونها من شدة يقينهم بها لذلك قال له النبي صلى الله عليه وسلم : " عرفتَ فالزم " . والإمام علي - كرَّم الله وجهه - يقول : لو كُشِف عني الحجاب ما ازددتُ يقيناً . لماذا ؟ لأنه بلغ من اليقين في الغيب إلى حَدِّ العلم والمشاهدة . ثم يقول تعالى : { وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاَماً } [ الفرقان : 75 ] . التحية أن نقول له : إننا نُحيِّيك يعني : نريد حياتك بأُنْسك بِنَا ، والسلام : الأمان والرحمة ، لكن ممَّنْ يكون السلام ؟ ورَدُّ السلام في القرآن الكريم بمعان ثلاثة : سلام من الله ، كما في قوله تعالى : { سَلاَمٌ قَوْلاً مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ } [ يس : 58 ] . وسلام من الملائكة : { وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ * سَلاَمٌ عَلَيْكُم … } [ الرعد : 23 - 24 ] . وسلام من أهل الأعراف ، وهم قوم استوتْ حسناتهم وسيئاتهم ، فلم يدخلوا الجنة ، ولم يدخلوا النار ، وهؤلاء يقولون : { وَعَلَى ٱلأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْاْ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ أَن سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ } [ الأعراف : 46 ] . إذن : فعباد الرحمن يُلَقَّوْن في الجنة سلاماً من الله ، وسلاماً من الملائكة ، وسلاماً من أهل الأعراف . ثم يقول الحق سبحانه : { خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ … } .